الكسر في الماضي يوجد أكثر الأمرين أحدهما: كثرة يفعل على يفعل وثانيهما: كونه على فعل يفعل، مثل خاف يخاف، وفي مستقبلها الضم لأنه يوجد لسببين أحدهما: كون الفعل على فعل يفعل، مثل طال يطول، فإن وصفه بالتطويل دون الطائل يدل على أنه من باب قصر يقصر، وثانيهما: كونه على فعل يفعل، تقول: فعلت في الماضي بالكسر وفي المستقبل بالضم.
المسألة السادسة: كيف أتى باللام المؤكدة في قوله: * (لمبعوثون) * مع أن المراد هو النفي وفي النفي لا يذكر في خبر إن اللام يقال: إن زيدا ليجيء وإن زيدا لا يجيء، فلا تذكر اللام، وما مرادهم بالاستفهام إلا الإنكار بمعنى إنا لا نبعث؟ نقول: الجواب عنه من وجهين أحدهما: عند إرادة التصريح بالنفي يوجد التصريح بالنفي وصيغته ثانيهما: أنهم أرادوا تكذيب من يخبر عن البعث فذكروا أن المخبر عنه يبالغ في الإخبار ونحن نستكثر مبالغته وتأكيده فحكوا كلامهم على طريقة الاستفهام بمعنى الإنكار، ثم إنهم أشاروا في الإنكار إلى أمور اعتقدوها مقررة لصحة إنكارهم فقالوا أولا: * (أئذا متنا) * ولم يقتصروا عليه بل قالوا بعده: * (وكنا ترابا وعظاما) * أي فطال عهدنا بعد كوننا أمواتا حتى صارت اللحوم ترابا والعظام رفاتا، ثم زادوا وقالوا: مع هذا يقال لنا: * (إنكم لمبعوثون) * بطريق التأكيد من ثلاثة أوجه أحدها: استعمال كلمة إن ثانيها: إثبات اللام في خبرها ثالثها: ترك صيغة الاستقبال، والإتيان بالمفعول كأنه كائن، فقالوا لنا: * (إنكم لمبعوثون) * ثم زادوا وقالوا: * (أو آباؤنا الأولون) * يعني هذا أبعد فإنا إذا كنا ترابا بعد موتنا والآباء حالهم فوق حال العظام الرفات فكيف يمكن البعث؟ وقد بينا في سورة والصافات هذا كله وقلنا: إن قوله: * (أو آباؤنا الأولون) * (الصافات: 17) معناه: أو يقولوا: آباؤنا الأولون، إشارة إلى أنهم في الإشكال أعظم، ثم إن الله تعالى أجابهم ورد عليهم في الجواب في كل مبالغة بمبالغة أخرى فقال:
* (قل إن الاولين والاخرين * لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم) *.
فقوله: * (قل) * إشارة إلى أن الأمر في غاية الظهور، وذلك أن في الرسالة أسرارا لا تقال إلا للأبرار، ومن جملتها تعيين وقت القيامة لأن العوام لو علموا لاتكلوا والأنبياء ربما اطلعوا على علاماتها أكثر مما بينوا وربما بينوا للأكابر من الصحابة علامات على ما نبين ففيه وجوه أولها: قوله: * (قل) * يعني أن هذا من جملة الأمور التي بلغت في الظهور إلى حد يشترك فيه العوام والخواص، فقال: قل قولا عاما وهكذا في كل موضع، قال: قل كان الأمر ظاهرا، قال الله تعالى: * (قل هو الله أحد) * (الصمد: 1) وقال: * (قل إنما أنا بشر مثلكم) * (الكهف: 110) وقال: * (قل الروح من أمر ربي) * (الإسراء: 85) أي هذا هو الظاهر من أمر الروح وغيره خفي ثانيها: قوله تعالى: * (إن الأولين والآخرين) * بتقديم الأولين على الآخرين في جواب قولهم: * (أو آباؤنا الأولون) * (الواقعة: 48) فإنهم أخروا ذكر الآباء لكون الاستبعاد فيهم أكثر، فقال إن الأولين الذين تستبعدون بعثهم وتؤخرونهم يبعثهم الله في أمر مقدم على الآخرين، يتبين منه إثبات