ثم قال تعالى: * (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) * زعم جمهور أصحابنا أن نعيم الجنة تفضل محض لا أنه مستحق بالعمل، وهذا أيضا قول الكعبي من المعتزلة، واحتجوا على صحة هذا المذهب بهذه الآية، أجاب القاضي عنه فقال: هذا إنما يلزم لو امتنع بين كون الجنة مستحقة وبين كونها فضلا من الله تعالى، فأما إذا صح اجتماع الصفتين فلا يصح هذا الاستدلال، وإنما قلنا: إنه لا منافاة بين هذين الوصفين، لأنه تعالى هو المتفضل بالأمور التي يتمكن المكلف معها من كسب هذا الاستحقاق، فلما كان تعالى متفضلا بما يكسب أسباب هذا الاستحقاق كان متفضلا بها، قال: ولما ثبت أن قوله: * (يؤتيه من يشاء) * لا بد وأن يكون مشروطا بما يستحقه، ولولا ذلك لم يكن لقوله من قبل: * (سابقوا إلى مغفرة من ربكم) * معنى.
واعلم أن هذا ضعيف لأن كونه تعالى متفضلا بأسباب ذلك الكسب لا يوجب كونه تعالى متفضلا بنفس الجنة، فإن من وهب من إنسان كاغدا ودواة وقلما، ثم إن ذلك الإنسان كتب بذلك المداد على ذلك الكاغد مصحفا وباعه من الواهب، لا يقال: إن أداء ذلك الثمن تفضيل، بل يقال: إنه مستحق، فكذا ههنا، وأما قوله أولا إنه لا بد من الاستحقاق، وإلا لم يكن لقوله من قبل: * (سابقوا إلى مغفرة) * معنى، فجوابه أن هذا الاستدلال عجيب، لأن للمتفضل أن يشرط في تفضله أي شرط شاء، ويقول: لا أتفضل إلا مع هذا الشرط.
ثم قال تعالى: * (والله ذو الفضل العظيم) * والمراد منه التنبيه على عظم حال الجنة، وذلك لأن ذا الفضل العظيم إذا أعطى عطاء مدح به نفسه وأثنى بسببه على نفسه، فإنه لا بد وأن يكون ذلك العطاء عظيما.
* (مآ أصاب من مصيبة فى الارض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأهآ إن ذلك على الله يسير) *.
قال الزجاج: إنه تعالى لما قال: * (سابقوا إلى مغفرة) * (الحديد: 21) بين أن المؤدي إلى الجنة والنار لا يكون إلا بقضاء وقدر، فقال: * (ما أصاب من مصيبة) * والمعنى لا توجد مصيبة من هذه المصائب إلا وهي مكتوبة عند الله، والمصيبة في الأرض هي قحط المطر، وقلة النبات، ونقص الثمار، وغلاء الأسعار، وتتابع الجوع، والمصيبة في الأنفس فيها قولان: الأول: أنها هي: الأمراض، والفقر، وذهاب الأولاد، وإقامة الحدود عليها والثاني: أنها تتناول الخير