ثم تبرأ منه في العاقبة، والمراد إما عموم دعوة الشيطان إلى الكفر، وإما إغواء الشيطان قريشا يوم بدر بقوله: * (لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم - إلى قوله - إني بريء منكم) * (الأنفال: 48). ثم قال: (17) * (فكان عاقبتهمآ أنهما فى النار خالدين فيها وذلك جزآء الظالمين) *. وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قال مقاتل: فكان عاقبة المنافقين واليهود مثل عاقبة الشيطان والإنسان حيث صارا إلى النار.
المسألة الثانية: قال صاحب الكشاف: قرأ ابن مسعود (خالدان فيها)، على أنه خبران، و (في النار) لغو، وعلى القراءة المشهورة الخبر هو الظرف * (وخالدين فيها) * حال، وقرئ: * (عاقبتهما) * بالرفع، ثم قال: * (وذلك جزاء الظالمين) * أي المشركين، لقوله تعالى: * (إن الشرك لظلم عظيم) * (لقمان: 13).
* (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) *.
ثم إنه تعالى رجع إلى موعظة المؤمنين فقال: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد) *. الغد: يوم القيامة سماه باليوم الذي يلي يومك تقريبا له، ثم ذكر النفس والغد على سبيل التنكير. أما الفائدة في تنكير النفس فاستقلال الأنفس التي تنظر فيما قدمت للآخرة كأنه قال: فلتنظر نفس واحدة في ذلك، وأما تنكير الغد فلتعظيمه وإبهام أمره كأنه قيل: الغد لا يعرف كنهه لعظمه.
ثم قال: * (واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) * كرر الأمر بالتقوى تأكيدا أو يحمل الأول: على أداء الواجبات والثاني: على ترك المعاصي.
* (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون) *.
ثم قال تعالى: * (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم) * وفيه وجهان: الأول: قال المقاتلان: نسوا حق الله فجعلهم ناسين حق أنفسهم حتى لم يسعوا لها بما ينفعهم عنده الثاني: * (فأنساهم أنفسهم) * أي أراهم يوم القيامة من الأهوال ما نسوا فيه أنفسهم، كقوله: * (لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم) * (إبراهيم: 43) * (وترى الناس سكارى وما هم بسكارى) * (الحج: 2).
ثم قال: * (أولئك هم الفاسقون) * والمقصود منه الذم، واعلم أنه تعالى لما أرشد المؤمنين إلى ما هو مصلحتهم يوم القيامة بقوله: * (ولتنظر نفس ما قدمت لغد) * (الحشر: 18) وهدد الكافرين بقوله: * (كالذين