لا يمت بينه وقاربت حتى يصير كقطعة واحدة، وقال الليث: يقال: رصصت البناء إذا ضممته، والرص انضمام الأشياء بعضها إلى بعض، وقال ابن عباس: يوضع الحجر على الحجر ثم يرص بأحجار صغار ثم يوضع اللبن عليه فتسميه أهل مكة المرصوص، وقال أبو إسحق: أعلم الله تعالى أنه يحب من يثبت في الجهاد ويلزم مكانه كثبوت البناء المرصوص، وقال: ويجوز أن يكون على أن يستوي شأنهم في حرب عدوهم حتى يكونوا في اجتماع الكلمة، وموالاة بعضهم بعضا كالبنيان المرصوص، وقيل: ضرب هذا المثل للثبات: يعني إذا اصطفوا ثبتوا كالبنيان المرصوص الثابت المستقر، وقيل: فيه دلالة على فضل القتال راجلا، لأن العرب يصطفون على هذه الصفة، ثم المحبة في الظاهر على وجهين أحدهما: الرضا عن الخلق وثانيها: الثناء عليهم بما يفعلون، ثم ما وجه تعلق الآية بما قبلها وهو قوله تعالى: * (كبر مقتا عند الله أن) * نقول تلك الآية مذمة المخالفين في القتال وهم الذين وعدوا بالقتال ولم يقاتلوا، وهذه الآية محمدة الموافقين في القتال وهم الذين قاتلوا في سبيل الله وبالغوا فيه.
ثم قال تعالى:
* (وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذوننى وقد تعلمون أنى رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدى القوم الفاسقين) *.
معناه أذكر لقومك هذه القصة، و * (إذ) * منصوب بإضمار أذكر أي حين قال لهم: * (تؤذونني) * وكانوا يؤذونه بأنواع الأذى قولا وفعلا، فقالوا: * (أرنا الله جهرة) * (النساء: 153)، * (لن نصبر على طعام واحد) * (البقرة: 61) وقيل: قد رموه بالأدرة، وقوله تعالى: * (وقد تعلمون أني رسول الله) * في موضع الحال، أي تؤذونني عالمين علما قطعيا أني رسول الله وقضية علمكم بذلك موجبة للتعظيم والتوقير، وقوله: * (فلما زاغوا) * أي مالوا إلى غير الحق * (أزاغ الله قلوبهم) * أي أمالها عن الحق، وهو قول ابن عباس وقال مقاتل: * (زاغوا) * أي عدلوا عن الحق بأبدانهم * (أزاغ الله) * أي أمال الله قلوبهم عن الحق وأضلهم جزاء ما عملوا، ويدل عليه قوله تعالى: * (والله لا يهدي القوم الفاسقين) * قال أبو إسحق معناه: والله لا يهدي من سبق في عمله أنه فاسق، وفي هذا تنبيه على عظيم إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم حتى إنه يؤدي إلى الكفر وزيغ القلوب عن الهدى * (وقد) * معناه التوكيد كأنه قال: وتعلمون علما يقينيا لا شبهة لكم فيه.
ثم قال تعالى:
* (وإذ قال عيسى بن مريم يابنى إسراءيل إنى رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدى