السحاب الذي مس الأرض وقد تقدم تفسير الأجاج أنه الماء المر من شدة الملوحة، والظاهر أنه هو الحار من أجيج النار كالحطام من الحطيم، وقد ذكرناه في قوله تعالى: * (هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج) * (الفرقان: 53) ذكر في الماء الطيب صفتين إحداهما عائدة إلى طعمه والأخرى عائدة إلى كيفية ملمسه وهي البرودة واللطافة، وفي الماء الآخر أيضا صفتين إحداهما عائدة إلى طعمه والأخرى عائدة إلى كيفية لمسه وهي الحرارة، ثم قال تعالى: * (فلولا تشكرون) * لم يقل عند ذكر الطعام الشكر وذلك لوجهين أحدهما: أنه لم يذكر في المأكول أكلهم، فلما لم يقل: تأكلون لم يقل: تشكرون وقال في الماء: * (تشربون) * فقال: * (تشكرون) * والثاني: أن في المأكول قال: * (تحرثون) * (الواقعة: 63) فأثبت لهم سعيا فلم يقل: تشكرون وقال في الماء: * (أأنتم أنزلتموه من المزن) * لا عمل لكم فيه أصلا فهو محض النعمة فقال: * (فلولا تشكرون) * وفيه وجه ثالث: وهو الأحسن أن يقال: النعمة لا تتم إلا عند الأكل والشرب ألا ترى أن في البراري التي لا يوجد فيها الماء لا يأكل الإنسان شيئا مخافة العطش، فلما ذكر المأكول أولا وأتمه بذكر المشروب ثانيا قال: * (فلولا تشكرون) * على هذه النعمة التامة.
ثم قال تعالى:
* (أفرءيتم النار التى تورون * أءنتم أنشأتم شجرتهآ أم نحن المنشئون) *.
وفي شجرة النار وجوه أحدها: أنها الشجرة التي تورى النار منها بالزند والزندة كالمرخ وثانيها: الشجرة التي تصلح لإيقاد النار كالحطب فإنها لو لم تكن لم يسهل إيقاد النار، لأن النار لا تتعلق بكل شيء كما تتعلق بالحطب وثالثها: أصول شعلها ووقود شجرتها ولولا كونها ذات شعل لما صلحت لإنضاج الأشياء والباقي ظاهر.
* (نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين) *.
في قوله: * (تذكرة) * وجهان أحدهما: تذكرة لنار القيامة فيجب على العاقل أن يخشى الله تعالى وعذابه إذا رأى النار الموقدة وثانيهما: تذكرة بصحة البعث، لأن من قدر على إيداع النار في الشجر الأخضر لا يعجز عن إيداع الحرارة الغريزية في بدن الميت وقد ذكرناه في تفسير قوله تعالى: * (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا) * (يس: 80) والمقوى: هو الذي أوقده فقواه وزاده وفيه لطيفة: وهو أنه تعالى قدم كونها تذكرة على كونها متاعا ليعلم أن الفائدة الأخروية أتم وبالذكر أهم.
ثم قال تعالى:
* (فسبح باسم ربك العظيم) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في وجه تعلقه بما قبله؟ نقول: لما ذكر الله تعالى حال المكذبين بالحشر والوحدانية ذكر الدليل عليهما بالخلق والرزق ولم يفدهم الإيمان قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: