والأبيض والأصفر والأسود ولما كان ميل النفس في الدنيا إلى الأخضر ذكر الله تعالى في الآخرة ما هو على مقتضى طبعه في الدنيا.
المسألة الخامسة: العبقري منسوب إلى عبقر وهو عند العرب موضع من مواضع الجن فالثياب المعمولة عملا جيدا يسمونها عبقريات مبالغة في حسنها كأنها ليست من عمل الإنس، ويستعمل في غير الثياب أيضا حتى يقال للرجل الذي يعمل عملا عجيبا: هو عبقري أي من ذلك البلد قال صلى الله عليه وسلم في المنام الذي رآه: " فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه " واكتفى بذكر اسم الجنس عن الجمع ووصفه بما توصف به الجموع فقال حسان: وذلك لما بينا أن جمع الرباعي يستثقل بعض الاستثقال، وأما من قرأ: * (عباقري) * فقد جعل اسم ذلك الموضع عباقر فإن زعم أنه جمعه فقد وهم، وإن جمع العبقري ثم نسب فقد التزم تكلفا خلاف ما كلف الأدباء التزامه فإنهم في الجمع إذا نسبوا ردوه إلى الواحد وهذا القارئ تكلف في الواحد ورده إلى الجمع ثم نسبه لأن عند العرب ليس في الوجود بلاد كلها عبقر حتى تجمع ويقال: عباقر، فهذا تكلف الجمع فيما لا جمع له ثم نسب إلى ذلك الجمع والأدباء تكره الجمع فيما ينسب لئلا يجمعوا بين الجمع والنسبة.
ثم قال تعالى:
* (تبارك اسم ربك ذى الجلال والإكرام) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في الترتيب وفيه وجوه أحدها: أنه تعالى لما ختم نعم الدنيا بقوله تعالى: * (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) * ختم نعم الآخرة بقوله: * (تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام) * إشارة إلى أن الباقي والدائم لذاته هو الله تعالى لا غير والدنيا فانية، والآخرة وإن كانت باقية لكن بقاؤها بإبقاء الله تعالى ثانيها: هو أنه تعالى في أواخر هذه السور كلها ذكر اسم الله فقال في السورة التي قبل هذه: * (عند مليك مقتدر) * (القمر: 55) وكون العبد عند الله من أتم النعم كذلك ههنا بعد ذكر الجنات وما فيها من النعم قال: * (تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام) * إشارة إلى أن أتم النعم عند الله تعالى، وأكمل اللذات ذكر الله تعالى، وقال في السورة التي بعد هذه: * (فروح وريحان وجنة نعيم) * (الواقعة: 89) ثم قال تعالى في آخر السورة: * (فسبح باسم ربك العظيم) * (الواقعة: 96) ثالثها: أنه تعالى ذكر جميع الذات في الجنات، ولم يذكر لذة السماع وهي من أتم أنواعها، فقال: * (متكئين على رفرف خضر) * يسمعون ذكر الله تعالى.
المسألة الثانية: أصل التبارك من البركة وهي الدوام والثبات، ومنها بروك البعير وبركة الماء، فإن الماء يكون فيها دائما وفيه وجوه أحدها: دام اسمه وثبت وثانيها: دام الخير عنده لأن البركة وإن كانت من الثبات لكنها تستعمل في الخير وثالثها: تبارك بمعنى علا وارتفع شأنا لا مكانا.