المسألة الخامسة: معنوية الإتكاء من الهيئات الدالة على صحة الجسم وفراغ القلب، فالمتكئ تكون أمور جسمه على ما ينبغي وأحوال قلبه على ما ينبغي، لأن العليل يضطجع ولا يستلقي أو يستند إلى شيء على حسب ما يقدر عليه للاستراحة، وأما الإتكاء بحيث يضع كفه تحت رأسه ومرفقه على الأرض ويجافي جنبيه عن الأرض فذاك أمر لا يقدر عليه، وأما مشغول القلب في طلب شيء فتحركه تحرك مستوفز.
المسألة السادسة: قال أهل التفسير قوله: * (بطائنها من إستبرق) * يدل على نهاية شرفها فإن ما تكون بطائنها من الإستبرق تكون ظهائرها خيرا منها، وكأن شيء لا يدركه البصر من سندس وهو الديباج الرقيق الناعم، وفيه وجه آخر معنوي وهو أن أهل الدنيا يظهرون الزينة ولا يتمكنون من أن يجعلوا البطائن كالظهائر، لأن غرضهم إظهار الزينة والبطائن لا تظهر، وإذا انتفى السبب انتفى المسبب، فلما لم يحصل في جعل البطائن من الديباج مقصودهم وهو الإظهار تركوه، وفي الآخرة الأمر مبني على الإكرام والتنعيم فتكون البطائن كالظهائر فذكر البطائن.
المسألة السابعة: قوله تعالى: * (وجنى الجنتين دان) * فيه إشارة إلى مخالفتها لجنة دار الدنيا من ثلاثة أوجه: أحدها: أن الثمرة في الدنيا على رؤوس الشجرة والإنسان عند الاتكاء يبعد عن رؤوسها وفي الآخرة هو متكئ والثمرة تنزل إليه ثانيها: في الدنيا من قرب من ثمرة شجرة بعد عن الأخرى وفي الآخرة كلها دان في وقت واحد ومكان واحد، وفي الآخرة المستقر في جنة عنده جنة أخرى ثالثها: أن العجائب كلها من خواص الجنة فكان أشجارها دائرة عليهم ساترة إليهم وهم ساكنون على خلاف ما كان في الدنيا وجناتها وفي الدنيا الإنسان متحرك ومطلوبه ساكن، وفيه الحقيقة وهي أن من لم يكسل ولم يتقاعد عن عبادة الله تعالى، وسعى في الدنيا في الخيرات انتهى أمره إلى سكون لا يحوجه شيء إلى حركة، فأهل الجنة إن تحركوا تحركوا لا لحاجة وطلب، وإن سكنوا سكنوا لا لاستراحة بعد التعب، ثم إن الولي قد تصير له الدنيا أنموذجا من الجنة، فإنه يكون ساكنا في بيته ويأتيه الرزق متحركا إليه دائرا حواليه، يدلك عليه قوله تعالى: * (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا) * (آل عمران: 37).
المسألة الثامنة: الجنتان إن كانتا جسميتين فهو أبدا يكون بينهما وهما عن يمينه وشماله هو يتناول ثمارهما وإن كانت إحداهما روحية والأخرى جسمية فلكل واحد منهما فواكه وفرش تليق بها.
ثم قال تعالى: * (فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جآن) *.