أراد كل ذلك منهم والثالث: أنه تعالى قال بعد هذه الآية: * (والله لا يحب كل مختال فخور) * وهذا يدل على أنه تعالى لا يريد ذلك لأن المحبة والإرادة سواء، فهو خلاف قول المجبرة: إن كل واقع فهو مراد الله تعالى الرابع: أنه تعالى أدخل لام التعليل على فعله بقوله: * (لكيلا) * وهذا يدل على أن أفعال الله تعالى معللة بالغرض، وأقول: العاقل يتعجب جدا من كيفية تعلق هذه الآيات بالجبر والقدر وتعلق كلتا الطائفتين بأكثرها.
المسألة الثانية: قال أبو علي الفارسي قرأ أبو عمرو وحده: * (بما أتاكم) * قصرا، وقرأ الباقون: * (آتاكم) * ممدودا، حجة أبي عمرو أن: * (أتاكم) * معادل لقوله: * (فاتكم) * فكما أن الفعل للغائب في قوله: * (فاتكم) * كذلك يكون الفعل للآني في قوله: * (بما أتاكم) * والعائد إلى الموصول في الكلمتين الذكر المرفوع بأنه فاعل، وحجة الباقين أنه إذا مد كان ذلك منسوبا إلى الله تعالى وهو المعطي لذلك، ويكون فاعل الفعل في: * (آتاكم) * ضميرا عائدا إلى اسم الله سبحانه وتعالى والهاء محذوفة من الصلة تقديره بما آتاكموه. المسألة الثالثة: قال المبرد: ليس المراد من قوله: * (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) * نفي الأسى والفرح على الإطلاق بل معناه لا تحزنوا حزنا يخرجكم إلى أن تهلكوا أنفسكم ولا تعتدوا بثواب على فوات ما سلب منكم، ولا تفرحوا فرحا شديد يطغيكم حتى تأشروا فيه وتبطروا، ودليل ذلك قوله تعالى: * (والله لا يحب كل مختال) * فدل بهذا على أنه ذم الفرح الذي يختال فيه صاحبه ويبطر، وأما الفرح بنعمة الله والشكر عليها فغير مذموم، وهذا كله معنى ما روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن ولكن اجعلوا للمصيبة صبرا وللخير شكرا. واحتج القاضي بهذه الآية على أنه تعالى لا يريد أفعال العباد والجواب عنه أن كثيرا من أصحابنا من فرق بين المحبة والإرادة فقال: المحبة إرادة مخصوصة، وهي إرادة الثواب فلا يلزم من نفي هذه الإرادة نفي مطلق الإرادة.
ثم قال تعالى: * (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغنى الحميد) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في الآية قولان: الأول: أن هذا بدل من قوله: * (كل مختال فخور) * كأنه قال: لا يحب المختال ولا يحب الذين يبخلون يريد الذين يفرحون الفرح المطغي فإذا رزقوا مالا وحظا من الدنيا فلحبهم له وعزته عندهم يبخلون به ولا يكفيهم أنهم بخلوا به بل يأمرون الناس بالبخل به، وكل ذلك نتيجة فرحهم عند إصابته، ثم قال بعد ذلك: * (ومن يتول) * عن أوامر الله ونواهيه ولم ينته عما نهى عنه من الأسى على الفائت والفرح بالآتي فإن الله غني عنه القول الثاني: أن قوله: