أعجب الزراع نباته مع علمهم به فهو في غاية الحسن الثاني: أن المراد بالكفار في هذه الآية الكفار بالله وهم أشد إعجابا بزينة الدنيا وحرثها من المؤمنين، لأنهم لا يرون سعادة سوى سعادة الدنيا، وقوله: * (نباته) * أي ما نبت من ذلك الغيث، وباقي الآية مفسر في سورة الزمر.
ثم إنه تعالى ذكر بعده حال الآخرة فقال: * (وفي الآخرة عذاب شديد) * أي لمن كانت حياته بهذه الصفة، ومغفرة من الله ورضوان لأوليائه وأهل طاعته، وذلك لأنه لما وصف الدنيا بالحقارة وسرعة الانقضاء، بين أن الآخرة إما عذاب شديد دائم، وإما رضوان، وهو أعظم درجات الثواب، ثم قال: * (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) * يعني لمن أقبل عليها، وأعرض بها عن طلب الآخرة، قال سعيد بن جبير: الدنيا متاع الغرور إذا ألهتك عن طلب الآخرة، فأما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله وطلب الآخرة فنعم الوسيلة.
* (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السمآء والارض أعدت للذين ءامنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشآء والله ذو الفضل العظيم) *.
ثم قال تعالى: * (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض) * والمراد كأنه تعالى قال: لتكن مفاخرتكم ومكاثرتكم في غير ما أنتم عليه، بل احرصوا على أن تكون مسابقتكم في طلب الآخرة.
واعلم أنه تعالى أمر بالمسارعة في قوله: * (سارعوا إلى مغفرة من ربكم) * ثم شرح ههنا كيفية تلك المسارعة، فقال: * (سارعوا) * مسارعة المسابقين لأقرانهم في المضمار، وقوله: * (إلى مغفرة) * فيه مسألتان:
المسألة الأولى: لا شك أن المراد منه المسارعة إلى ما يوجب المغفرة، فقال قوم المراد سابقوا إلى التوبة، وقال آخرون: المراد سابقوا إلى سائر ما كلفتم به فدخل فيه التوبة، وهذا أصح لأن المغفرة والجنة لا ينالان إلا بالانتهاء عن جميع المعاصي والاشتغال بكل الطاعات.
المسألة الثانية: احتج القائلون بأن الأمر يفيد الفور بهذه الآية، فقالوا: هذه الآية دلت على وجوب المسارعة، فوجب أن يكون التراخي محظورا، أما قوله تعالى: * (وجنة عرضها كعرض السماء والأرض) * وقال: في آل عمران * (وجنة عرضها السماوات والأرض) * (آل عمران: 133)، فذكروا فيه وجوها أحدها: أن السماوات السبع والأرضين السبع لو جعلت صفائح وألزق بعضها ببعض لكانت الجنة في عرضها، هذا قول مقاتل وثانيها: قال: عطاء (عن) ابن عباس يريد أن لكل واحد من المطيعين جنة بهذه الصفة، وثالثها: قال السدي: إن الله تعالى شبه عرض الجنة بعرض السماوات السبع والأرضين السبع، ولا شك أن طولها أزيد من عرضها، فذكر العرض تنبيها على أن طولها أضعاف ذلك، ورابعها: أن هذا تمثيل للعبادة بما يعقلونه ويقع في نفوسهم وأفكارهم، وأكثر ما يقع في نفوسهم مقدار السماوات والأرض وهذا قول الزجاج، وخامسها: