فهي في معناه كأنه قال: تركناها دالة، ويحتمل أن يقال: نصبها على التمييز لأنها بعض وجوه الترك كقوله ضربته سوطا.
المسألة الثانية: * (مدكر) * مفتعل من ذكر يذكر وأصله مذتكو (لما) كان مخرج الذال قريبا من مخرج التاء، والحروف المتقاربة المخرج يصعب النطق بها على التوالي ولهذا إذا نظرت إلى الذال مع التاء عند النطق تقرب الذال من أن تصير تاء والتاء تقرب من أن تصير دالا فجعل التاء دالا ثم أدغمت الدال فيها ومنهم من قرأ على الأصل مذتكر ومنهم من قلب التاء دالا وقرأ مذدكر ومن اللغويين من يقول في مدكر مذدكر فيقلب التاء ولا يدغم ولكل وجهة، والمدكر المعتبر المتفكر، وفي قوله: * (مدكر) * إما إشارة إلى ما في قوله: * (ألست بربكم قالوا بلى) * (الأعراف: 172) أي هل من يتذكر تلك الحالة وإما إلى وضوح الأمر كأنه حصل للكل آيات الله ونسوها * (فهل من مدكر) * يتذكر شيئا منها.
ثم قال تعالى: * (فكيف كان عذابى ونذر) *.
وفيه وجهان أحدهما: أن يكون ذلك استفهاما من النبي صلى الله عليه وسلم تنبيها له ووعدا بالعاقبة وثانيهما: أن يكون عاما تنبيها للخلق ونذر أسقط منه ياء الإضافة كما حذف ياء يسري في قوله تعالى: * (والليل إذا يسر) * (الفجر: 4) وذلك عند الوقف ومثله كثير كما في قوله تعالى: * (فإياي فاعبدون) * (العنكبوت: 51) * (ولا هم ينقذون) * (يس: 43) (الزمر: 16) وقوله تعالى: * (يا عباد فاتقون) * (الزمر: 16) وقوله تعالى: * (ولا تكفرون) * (البقرة: 152) وقرئ بإثبات الياء: * (عذابي ونذري) * وفيه مسائل: الأولى: ما الذي اقتضى الفاى في قوله تعالى: * (فكيف كان) *؟ نقول: أما إن قلنا إن الاستفهام من النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنه تعالى قال له قد علمت أخبار من كان قبلك فكيف كان أي بعدما أحاط بهم علمك بنقلها إليك، وأما إن قلنا الاستفهام عام فنقول لما قال: * (هل من مدكر) * (القمر: 15) فرض وجودهم وقال: يا من يتذكر، وعلم الحال بالتذكير: * (فكيف كان عذابي) * ويحتمل أن يقال: هو متصل بقوله: * (فهل من مدكر) * تقديره مدكر كيف كان عذابي.
المسألة الثانية: ما رأوا العذاب ولا النذر فكيف استفهم منهم؟ نقول: أما على قولنا الاستفهام من النبي صلى الله عليه وسلم فقد علم لما علم، وأما على قولنا عام فهو على تقدير الإدكار وعلى تقدير الإدكار يعلم الحال، ويحتمل أن يقال: إنه ليس باستفهام وإنما هو إخبار عن عظمة الأمر كما في قوله تعالى: * (الحاقة * ما الحاقة) * (الحاقة: 1، 2) و * (القارعة * ما القارعة) * (القارعة: 1، 2) وهذا لأن الاستفهام يذكر للأخبار كما أن صيغة هل تذكر للاستفهام فيقال زيد في الدار؟ بمعنى هل زيد في الدار، ويقول المنجز وعده هل صدقت؟ فكأنه تعالى قال: عذابي وقع وكيف كان أي كان عظيما وحينئذ لا يحتاج إلى علم من يستفهم منه.