ثم قال تعالى: * (ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم) * وفي قوله: * (ذلك) * وجهان الأول: قال الزجاج: إنه في محل الرفع، والمعنى الفرض ذلك الذي وضعناه، الثاني: فعلنا ذلك البيان والتعليم للأحكام لتصدقوا بالله ورسوله في العمل بشرائعه، ولا تستمروا على أحكام الجاهلية من جعل الظهار أقوى أنواع الطلاق، وفي الآية مسائل.
المسألة الأولى: استدلت المعتزلة باللام في قوله: * (لتؤمنوا) * على أن فعل الله معلل بالغرض وعلى أن غرضه أن تؤمنوا بالله، ولا تستمروا على ما كانوا عليه في الجاهلية من الكفر، وهذا يدل على أنه تعالى أراد منهم الإيمان وعدم الكفر.
المسألة الثانية: استدل من أدخل العمل في مسمى الإيمان بهذه الآية، فقال: أمرهم بهذه الأعمال، وبين أنه أمرهم بها ليصيروا بعملها مؤمنين، فدلت الآية على أن العمل من الإيمان ومن أنكر ذلك قال: إنه تعالى لم يقل: (ذلك لتؤمنوا بالله بعمل هذه الأشياء)، ونحن نقول المعنى ذلك لتؤمنوا بالله بالإقرار بهذه الأحكام، ثم إنه تعالى أكد في بيان أنه لا بد لهم من الطاعة * (وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم) * أي لمن جحد هذا وكذب به.
قوله تعالى * (إن الذين يحآدون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنآ ءايات بينات وللكافرين عذاب مهين) *.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: في المحادة قولان قال المبرد: أصل المحادة الممانعة، ومنه يقال للبواب: حداد، وللممنوع الرزق محدود، قال أبو مسلم الأصفهاني: المحادة مفاعلة من لفظ الحديد، والمراد المقابلة بالحديد سواء كان ذلك في الحقيقة، أو كان ذلك منازعة شديدة شبيهة بالخصومة بالحديد، أما المفسرون فقالوا: يحادون أي يعادون ويشاقون، وذلك تارة بالمحاربة مع أولياء الله وتارة بالتكذيب والصد عن دين الله.
المسألة الثانية: الضمير في قوله: * (يحادون) * يمكن أن يكون راجعا إلى المنافقين، فإنهم كانوا يوادون الكافرين ويظاهرون على الرسول عليه السلام فأذلهم الله تعالى، ويحتمل سائر الكفار فأعلم الله رسوله أنهم * (كبتوا) * أي خذلوا، قال المبرد: يقال: كبت الله فلانا إذا أذله، والمردود بالذل يقال له: مكبوت، ثم قال: * (كما كبت الذين من قبلهم) * من أعداء الرسل: * (وقد أنزلنا آيات بينات) *