تعالى عنهم أنهم قالوا لليهود: * (لئن أخرجتم) * من المدينة * (لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم) * أي في خذلانكم * (أحدا أبدا) * ووعدوهم النصر أيضا بقولهم:
* (وإن قوتلتم لننصرنكم) * ثم إنه تعالى شهد على كونهم كاذبين في هذا القول فقال: * (والله يشهد إنهم لكاذبون) *.
ولما شهد على كذبهم على سبيل الإجمال أتبعه بالتفصيل فقال:
* (لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الادبار ثم لا ينصرون) *.
واعلم أنه تعالى عالم بجميع المعلومات التي لا نهاية لها، فعلم الموجودات في الأزمنة الثلاثة، والمعدومات في الأزمنة الثلاثة، وعلم في كل واحد من هذه الوجوه الستة، أنه لو كان على خلاف ما وقع كيف كان يكون على ذلك التقدير، فههنا أخبر تعالى أن هؤلاء اليهود لئن أخرجوا فهؤلاء المنافقون لا يخرجون معهم، وقد كان الأمر كذلك، لأن بني النضير لما أخرجوا لم يخرج معهم المنافقين، وقوتلوا أيضا فما نصروهم، فأما قوله تعالى: * (ولئن نصروهم) * فتقديره كما يقول المعترض الطاعن في كلام الغير: لا نسلم أن الأمر كما تقول، ولئن سلمنا أن الأمر كما تقول، لكنه لا يفيد لك فائدة، فكذا ههنا ذكر تعالى أنهم لا ينصرونهم، وبتقدير أن ينصروا إلا أنهم لا بد وأن يتركوا تلك النصرة وينهزموا، ويتركوا أولئك المنصورين في أيدي الأعداء، ونظير هذه الآية قوله: * (ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون) *، فأما قوله: * (ثم لا ينصرون) * ففيه وجهان: الأول: أنه راجع إلى المنافقين يعني لينهزمن المنافقون: * (ثم لا ينصرون) * بعد ذلك أي يهلكهم الله، ولا ينفعهم نفاقهم لظهور كفرهم والثاني: لينهزمن اليهود ثم لا ينفعهم نصرة المنافقين.
ثم ذكر تعالى أن خوف المنافقين من المؤمنين أشد من خوفهم من الله تعالى فقال:
* (لانتم أشد رهبة فى صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون) *.
أي لا يعلمون عظمة الله حتى يخشوه حق خشيته.
* (لا يقاتلونكم جميعا إلا فى قرى محصنة أو من ورآء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) *.
ثم قال تعالى: * (لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر) * يريد أن هؤلاء اليهود والمنافقين لا يقدرون على مقاتلتكم مجتمعين إلا إذا كانوا في قرى محصنة بالخنادق والدروب