جاء يرشدهم إلى الحق ويعلمهم الشريعة، وهو عيسى يجيء بعد الصلب؟ نقول: ذكر الحواريون في آخر الإنجيل أن عيسى لما جاء بعد الصلب ما ذكر شيئا من الشريعة، وما علمهم شيئا من الأحكام، وما لبث عندهم إلا لحظة، وما تكلم إلا قليلا، مثل أنه قال: " أنا المسيح فلا تظنوني ميتا، بل أنا ناج عند الله ناظر إليكم، وإني ما أوحي بعد ذلك إليكم " فهذا تمام الكلام، وقوله تعالى: * (فلما جاءهم بالبينات) * قيل: هو عيسى، وقيل: هو محمد، ويدل على أن الذي جاءهم بالبينات جاءهم بالمعجزات والبينات التي تبين أن الذي جاء به إنما جاء به من عند الله، وقوله تعالى: * (هذا سحر مبين) * أي ساحر مبين. وقوله: * (ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب) * أي من أقبح ظلما ممن بلغ افتراؤه المبلغ الذي يفتري على الله الكذب وأنهم قد علموا أن ما نالوه من نعمة وكرامة فإنما نالوه من الله تعالى، ثم كفروا به وكذبوا على الله وعلى رسوله: * (والله لا يهدي القوم الظالمين) * أي لا يوافقهم الله للطاعة عقوبة لهم. وفي الآية بحث: وهو أن يقال: بم انتصب * (مصدقا) * و * (مبشرا) * أبما في الرسول من معنى الإرسال أم * (إليكم) *؟ نقول: بل بمعنى الإرسال لأن إليكم صلة للرسول.
ثم قال تعالى:
* (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون * هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) *.
* (ليطفئوا) * أي أن يطفئوا وكأن هذه اللام زيدت مع فعل الإرادة تأكيدا له لما فيها من معنى الإرادة في قولك: جئتك لإكرامك، كما زيدت اللام في لا أبا لك، تأكيدا لمعنى الإضافة في أباك، وإطفاء نور الله تعالى بأفواههم، تهكم بهم في إرادتهم إبطال الإسلام بقولهم في القرآن: * (هذا سحر) * (الصف: 6) مثلت حالهم بحال من ينفخ في نور الشمس بفيه ليطفئه، كذا ذكره في الكشاف، وقوله: * (والله متم نوره) * قرىء بكسر الراء على الإضافة، والأصل هو التنوين، قال ابن عباس: يظهر دينه، وقال صاحب الكشاف: متم الحق ومبلغه غايته، وقيل: دين الله، وكتاب الله، ورسول الله، وكل واحد من هذه الثلاثة بهذه الصفة لأنه يظهر عليهم من الآثار وثانيها: أن نور الله ساطع أبدا وطالع من مطلع لا يمكن زواله أصلا وهو الحضرة القدسية، وكل واحد من الثلاثة كذلك وثالثها: أن النور نحو العلم، والظلمة نحو الجهل، أو النور الإيمان يخرجهم من