أو من وراء جدر، وذلك بسبب أن الله ألقى في قلوبهم الرعب، وأن تأييد الله ونصرته معكم، وقرئ * (جدر) * بالتخفيف وجدار وجدر وجدر وهما الجدار.
ثم قال تعالى: * (بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) * وفيه ثلاثة أوجه أحدها: يعني أن البأس الشديد الذي يوصفون به إنما يكون إذا كان بعضهم مع بعض، فأما إذا قاتلوكم لم يبق لهم ذلك البأس والشدة، لأن الشجاع يجبن والعز يذل عند محاربة الله ورسوله وثانيها: قال مجاهد: المعنى أنهم إذا اجتمعوا يقولون: لنفعلن كذا وكذا، فهم يهددون المؤمنين ببأس شديد من وراء الحيطان والحصون، ثم يحترزون عن الخروج للقتال فبأسهم فيما بينهم شديد، لا فيما بينهم وبين المؤمنين وثالثها: قال ابن عباس: معناه بعضهم عدو للبعض، والدليل على صحة هذا التأويل قوله تعالى: * (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى) * يعني تحسبهم في صورتهم مجتمعين على الألفة والمحبة، أما قلوبهم فشتى، لأن كل أحد منهم على مذهب آخر، وبينهم عداوة شديدة، وهذا تشجيع للمؤمنين على قتالهم، وقوله: * (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) * فيه وجهان: الأول: أن ذلك بسبب أنهم قوم لا يعقلون ما فيه الحظ لهم والثاني: لا يعقلون أن تشتيت القلوب مما يوهن قواهم.
قوله تعالى * (كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم) *.
أي مثلهم كمثل أهل بدر في زمان قريب فإن قيل: بم انتصب * (قريبا) *، قلنا: بمثل، والتقدير كوجود مثل أهل بدر. * (قريبا ذاقوا وبال أمرهم) * أي سوء عاقبة كفرهم وعداوتهم لرسول الله من قولهم: كلأ وبيل أي وخيم سيئ العاقبة يعني ذاقوا عذاب القتل في الدنيا * (ولهم في الآخرة عذاب أليم) *. ثم ضرب لليهود والمنافقين مثلا فقال:
* (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إنى برىء منك إنى أخاف الله رب العالمين) *.
أي مثل المنافقين الذين غروا بني النضير بقولهم: * (لئن أخرجتم لنخرجن معكم) * (الحشر: 11) ثم خذلوهم وما وفوا بعهدهم: * (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر) *