كان الكلام أكثر مناسبة، نقول: لا بل هذا أبلغ لأن المقصود تقوية قلب النبي صلى الله عليه وسلم بذكر من تقدمه فقال: وازدجر أي فعلوا ما يوجب الانزجار من دعائهم حتى ترك دعوتهم وعدل عن الدعاء إلى الإيمان إلى الدعاء عليهم، ولو قال: زجروه ما كان يفيد أنه تأذى منهم لأن في السعة يقال: آذوني ولكن ما تأذيت، وأما أوذيت فهو كاللازم لا يقال إلا عند حصول الفعل لا قبله، ومنهم من قال: * (وازدجر) * حكاية قولهم أي هم قالوا ازدجر، تقديره قالوا: مجنون مزدجر، ومعناه: ازدجره الجن أو كأنهم قالوا: جن وازدجر، والأول أصح ويترتب عليه قوله تعالى:
* (فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر) *.
ترتيبا في غاية الحسن لأنهم لما زجروه وانزجر هو عن دعائهم دعا ربه أني مغلوب وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرىء * (إني) * بكسر الهمزة على أنه دعاء، فكأنه قال: إني مغلوب، وبالفتح على معنى بأني.
المسألة الثانية: ما معنى مغلوب؟ نقول فيه وجوه الأول: غلبني الكفار فانتصر لي منهم الثاني: غلبتني نفسي وحملتني على الدعاء عليهم فانتصر لي من نفسي، وهذا الوجه نقله ابن عطية وهو ضعيف الثالث: وجه مركب من الوجهين وهو أحسن منهما وهو أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعو على قومه ما دام في نفسه احتمال وحلم، واحتمال نفسه يمتد ما دام الإيمان منهم محتملا، ثم إن يأسه يحصل والاحتمال يفر بعد اليأس بمدة، بدليل قوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: * (لعلك باخع نفسك) * (الكهف: 6)، * (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) * (فاطر: 8) وقال تعالى: * (ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) * (المؤمنون: 27) فقال نوح: يا إلهي إن نفسي غلبتني وقد أمرتني بالدعاء عليهم فأهلكهم، فيكون معناه (إني) مغلوب بحكم البشرية أي غلبت وعيل صبري فانتصر لي منهم لا من نفسي.
المسألة الثالثة: فانتصر معناه انتصر لي أو لنفسك فإنهم كفروا بك وفيه وجوه أحدها: فانتصر لي مناسب لقوله مغلوب ثانيها: فانتصر لك ولدينك فإني غلبت وعجزت عن الانتصار لدينك ثالثها: فانتصر للحق ولا يكون فيه ذكره ولا ذكر ربه، وهذا يقوله قوي النفس بكون الحق معه، يقول القائل: اللهم أهلك الكاذب منا، وانصر المحق منا.
ثم قال تعالى: * (ففتحنآ أبواب السمآء بماء منهمر) *.
عقيب دعائه وفيه مسائل:
المسألة الأولى: المراد من الفتح والأبواب والسماء حقائقها أو هو مجاز؟ نقول فيه قولان أحدهما: حقائقها وللسماء أبواب تفتح وتغلق ولا استبعاد فيه وثانيهما: هو على طريق الاستعارة، فإن الظاهر أن الماء كان من السحاب، وعلى هذا فهو كما يقول القائل في المطر الوابل جرت ميازيب السماء وفتح أفواه القرب أي كأنه ذلك، فالمطر في الطوفان كان بحيث يقول القائل