ابن جبان: الأمد ههنا الأمل البعيد، والمعنى على هذا طال عليهم الأمد بطول الأمل، أي لما طالت آمالهم لا جرم قست قلوبهم وخامسها: قال مقاتل بن سليمان: طال عليهم أمد خروج النبي عليه السلام وسادسها: طال عهدهم بسماع التوراة والإنجيل فزال وقعهما عن قلوبهم فلا جرم قست قلوبهم، فكأنه تعالى نهى المؤمنين عن أن يكونوا كذلك، قاله القرظي.
المسألة الثانية: قرىء (الأمد) بالتشديد، أي الوقت الأطول، ثم قال: * (وكثير منهم فاسقون) * أي خارجون عن دينهم رافضون لما في الكتابين، وكأنه إشارة إلى أن عدم الخشوع في أول الأمر يفضي إلى الفسق في آخر الأمر.
ثم قال تعالى:
* (اعلموا أن الله يحى الارض بعد موتها قد بينا لكم الايات لعلكم تعقلون) *.
وفيه وجهان الأول: أنه تمثيل والمعنى أن القلوب التي ماتت بسبب القساوة، فالمواظبة على الذكر سبب لعود حياة الخشوع إليها كما يحيي الله الأرض بالغيث والثاني: أن المراد من قوله: * (يحيي الأرض بعد موتها) * بعث الأموات فذكر ذلك ترغيبا في الخشوع والخضوع وزجرا عن القساوة.
ثم قال تعالى:
* (إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال أبو علي الفارسي: قرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر: * (إن المصدقين والمصدقات) * بالتخفيف، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: * (إن المصدقين والمصدقات) * بتشديد الصاد فيهما، فعلى القراءة الأولى يكون معنى المصدق المؤمن، فيكون المعنى: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * لأن إقراض الله من الأعمال الصالحة، ثم قالوا: وهذه القراءة أولى لوجهين الأول: أن من تصدق لله وأقرض إذا لم يكن مؤمنا لم يدخل تحت الوعد، فيصير ظاهر الآية متروكا على قراءة التشديد، ولا يصير متروكا على قراءة التخفيف والثاني: أن المتصدق هو الذي يقرض الله، فيصير قوله: * (إن المصدقين والمصدقات) * وقوله: * (وأقرضوا الله) * شيئا واحدا وهو تكرار، أما على قراءة التخفيف فإنه لا يلزم التكرار، وحجة من نقل وجهان أحدهما: أن في قراءة أبي: * (إن المتصدقين والمتصدقات) * بالتاء والثاني: أن قوله: * (وأقرضوا الله قرضا حسنا) * اعتراض بين الخبر والمخبر عنه، والاعتراض بمنزلة الصفة، فهو للصدقة أشد ملازمة