الشريك وقادر بريء عن العجز فلا يعجز عن الحشر وإما لفظا فبأن يقال: سبحان الله وسبحان الله العظيم، وسبحانه عما يشركون، أو ما يقوم مقامه من الكلام الدال على تنزيهه عن الشريك والعجز فإنك إذا سبحته واعتقدت أنه واحد منزه عن كل مالا يجوز في حقيقته، لزم أن لا يكون جسما لأن الجسم فيه أشياء كثيرة وهو واحد حقيقي لا كثرة لذاته، ولا يكون عرضا ولا في مكان، وكل مالا يجوز له ينتفي عنه بالتوحيد ولا يكون على شيء، ولا في شيء، ولا عن شيء، وإذا قلت: هو قادر ثبت له العلم والإرادة والحياة وغيرها من الصفات وسنذكر ذلك في تفسير سورة الإخلاص إن شاء الله تعالى.
المسألة الرابعة: ما الفرق بين * (العظيم) * وبين * (الأعلى) *، وهل في ذكر * (العظيم) * هنا بدل * (الأعلى) * وذكر * (الأعلى) * في قوله: * (سبح اسم ربك الأعلى) * (الأعلى: 1) بدل * (العظيم) * فائدة؟ نقول: أما الفرق بين العظيم والأعلى فهو أن العظيم يدل على القرب، والأعلى يدل على البعد، بيانه هو أن ما عظم من الأشياء المدركة بالحس قريب من كل ممكن، لأنه لو بعد عنه لخلا عنه موضعه، فلو كان فيه أجزاء أخر لكان أعظم مما هو عليه فالعظيم بالنسبة إلى الكل هو الذي يقرب من الكل، وأما الصغير إذا قرب من جهة فقد بعد عن أخرى، وأما العلي فهو البعيد عن كل شيء لأن ما قرب من شيء من جهة فوق يكون أبعد منه وكان أعلى فالعلي المطلق بالنسبة إلى كل شيء هو الذي في غاية البعد عن كل شيء، إذا عرفت هذا فالأشياء المدركة تسبح الله، وإذا علمنا من الله معنى سلبيا فصح أن نقول: هو أعلى من أن يحيط به إدراكنا وإذا علمنا منه وصفا ثبوتيا من علم وقدرة يزيد تعظيمه أكثر مما وصل إليه علمنا، فنقول: هو أعظم وأعلى من أن يحيط به علمنا، وقولنا: أعظم معناه عظيم لا عظيم مثله، ففيه مفهوم سلبي ومفهوم ثبوتي وقوله: أعلى، معناه هو علي ولا علي مثله، والعلي إشارة إلى مفهوم سلبي والأعلى مثله بسبب آخر، فالأعلى مستعمل على حقيقته لفظا ومعنى، والأعظم مستعمل على حقيقته لفظا، وفيه معنى سلبي، وكأن الأصل في العظيم مفهوم ثبوتي لا سلب فيه فالأعلى أحسن استعمالا من الأعظم هذا هو الفرق.
ثم قال تعالى:
* (فلا أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في الترتيب ووجهه هو أن الله تعالى لما أرسل رسوله الهدى ودين الحق آتاه كل ما ينبغي له وطهره عن كل مالا ينبغي له فآتاه الحكمة وهي البراهين القاطعة واستعمالها على وجوهها، والموعظة الحسنة وهي الأمور المفيدة المرققة للقلوب المنورة للصدور، والمجادلة التي هي على أحسن الطرق فأتى بها وعجز الكل عن معارضته بشيء ولم يؤمنوا والذي يتلى عليه، كل ذلك ولا يؤمن لا يبقى له غير أنه يقول: هذا البيان ليس لظهور المدعى بل لقوة ذهن المدعى وقوته على تركيب الأدلة وهو يعلم أنه يغلب بقوة جداله لا بظهور مقاله وربما يقول أحد المناظرين للآخر عند