تدل على صدق الرسول: * (وللكافرين) * بهذه الآيات: * (عذاب مهين) * يذهب بعزهم وكبرهم، فبين سبحانه أن عذاب هؤلاء المحادين في الدنيا الذل والهوان، وفي الآخرة العذاب الشديد.
ثم ذكر تعالى ما به يتكامل هذا الوعيد فقال:
* (يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شىء شهيد) *.
* (يوم) * منصوب بينبئهم أو بمهين أو بإضمار أذكر، تعظيما لليوم، وفي قوله: * (جميعا) * قولان: أحدهما: كلهم لا يترك منهم أحد غير مبعوث والثاني:
مجتمعين في حال واحدة، ثم قال: * (فينبئهم بما عملوا) * تجليلا لهم، وتوبيخا وتشهيرا لحالهم، الذي يتمنون عنده المسارعة بهم إلى النار، لما يلحقهم من الخزي على رؤس الإشهاد وقوله: * (أحصاه الله) * أي أحاط بجميع أحوال تلك الأعمال من الكمية والكيفية، والزمان والمكان لأنه تعالى عالم بالجزئيات، ثم قال: * (ونسوه) * لأنهم استحقروها وتهاونوا بها فلا جرم نسوها: * (والله على كل شيء شهيد) * أي مشاهد لا يخفى عليه شيء البتة.
* (ألم تر أن الله يعلم ما فى السماوات وما فى الارض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شىء عليم) *.
ثم إنه تعالى أكد بيان كونه عالما بكل المعلومات فقال:
* (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض) *.
قال ابن عباس: * (ألم تر) * أي ألم تعلم وأقول هذا حق لأن كونه تعالى عالما بالأشياء لا يرى، ولكنه معلوم بواسطة الدلائل، وإنما أطلق لفظ الرؤية على هذا العلم، لأن الدليل على كونه عالما، هو أن أفعاله محكمة متقنة منتسقة منتظمة، وكل من كانت أفعاله كذلك فهو عالم.
أما المقدمة الأولى: فمحسوسة مشاهدة في عجائب السماوات والأرض، وتركيبات النبات والحيوان. أما المقدمة الثانية: فبديهية، ولما كان الدليل الدال على كونه تعالى كذلك ظاهرا لا جرم بلغ هذا العلم والاستدلال إلى أعلى درجات الظهور والجلاء، صار جاريا مجرى المحسوس المشاهد، فلذلك أطلق لفظ الرؤية فقال: * (ألم تر) * وأما أنه تعالى عالم بجميع المعلومات، فلأن علمه علم قديم، فلو تعلق بالبعض دون البعض من أن جميع المعلومات مشتركة في صحة المعلومية لافتقر ذلك العلم في ذلك التخصيص إلى مخصص، وهو على الله تعالى محال، فلا جرم وجب كونه تعالى عالما بجميع المعلومات، واعلم أنه سبحانه قال: * (يعلم ما في السماوات وما في الأرض) * ولم يقل: يعلم ما في الأرض وما في السماوات وفي رعاية هذا الترتيب سر عجيب.
ثم إنه تعالى خص ما يكون من العباد من النجوى