ناصية وإنما أخذت ليصير صاحبها مأخوذا، وفرق بين مقصود الكلام وبين الأخذ، وقوله تعالى: * (فيؤخذ بالنواصي والأقدام) * فيه وجهان أحدهما: يجمع بين ناصيتهم وقدمهم، وعلى هذا ففيه قولان: أحدهما: أن ذلك قد يكون من جانب ظهورهم فيربط بنواصيهم أقدامهم من جانب الظهر فتخرج صدورهم نتأ والثاني: أن ذلك من جانب وجوههم فتكون رؤوسهم على ركبهم ونواصيهم في أصابع أرجلهم مربوطة الوجه الثاني: أنهم يسحبون سحبا فبعضهم يؤخذ بناصيته وبعضهم يجر برجله، والأول أصح وأوضح.
ثم قال تعالى:
* (هذه جهنم التى يكذب بها المجرمون) *.
والمشهور أن ههنا إضمارا تقديره يقال لهم: هذه جهنم، وقد تقدم مثله في مواضع.
ويحتمل أن يقال: معناه هذه صفة جهنم فأقيم المضاف إليه مقام المضاف ويكون ما تقدم هو المشار إليه، والأقوى أن يقال: الكلام عند النواصي والأقدام قد تم، وقوله: * (هذه جهنم) * لقربها كما يقال هذا زيد قد وصل إذا قرب مكانه، فكأنه قال جهنم التي يكذب بها المجرمون هذه قريبة غير بعيدة عنهم، ويلائمه قوله: * (يكذب) * لأن الكلام لو كان بإضمار يقال، لقال تعالى لهم: هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون لأن في هذا الوقت لا يبقى مكذب، وعلى هذا التقدير يضمر فيه: كان يكذب.
ثم قال تعالى:
* (يطوفون بينها وبين حميم ءان) *.
هو كقوله تعالى: * (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل) * (الكهف: 29) وكقوله تعالى: * (كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها) * (السجدة: 20) لأنهم يخرجون فيستغيثون فيظهر لهم من بعد شيء مائع هو صديدهم المغلي فيظنونه ماء، فيردون عليه كما يرد العطشان فيقعون ويشربون منه شرب الهيم، فيجدونه أشد حرا فيقطع أمعاءهم، كما أن العطشان إذا وصل إلى ماء مالح لا يبحث عنه ولا يذوقه، وإنما يشربه عبا فيحرق فؤاده ولا يسكن عطشه. وقوله: * (حميم) * إشارة إلى ما فعل فيه من الإغلاء، وقوله تعالى: * (آن) * إشارة إلى ما قبله، وهو كما يقال: قطعته فانقطع فكأنه حمته النار فصار في غاية السخونة وآن الماء إذا انتهى في الحر نهاية.
ثم قال تعالى:
* (فبأى ءالاء ربكما تكذبان) *.
وفيه بحث وهو أن هذه الأمور ليست من الآلاء فكيف قال: * (فبأي آلاء) *؟ نقول: الجواب من وجهين أحدهما: ما ذكرناه وثانيهما: أن المراد: * (فبأي آلاء ربكما) * مما أشرنا إليه في أول السورة. * (تكذبان) * فتستحقان هذه الأشياء المذكورة من العذاب، وكذلك نقول: في قوله: * (ولمن خاف مقام ربه جنتان) * (الرحمن: 46) هي الجنان ثم إن تلك الآلاء لا ترى، وهذا ظاهر لأن الجنان غير مرئية، وإنما حصل الإيمان بها بالغيب، فلا