من تحتها الأنهار) * إلى آخر الآية، من جملة ما قدم بيانه في التوراة، ولا يبعد أن يقال: إن الله تعالى رغبهم في هذه الآية إلى مفارقة مساكنهم وإنفاق أموالهم والجهاد، وهو قوله: * (يغفر لكم) * وقوله تعالى: * (ذلك الفوز العظيم) * يعني ذلك الجزاء الدائم هو الفوز العظيم، وقد مر، وقوله تعالى: * (وأخرى تحبونها) * أي تجارة أخرى في العاجل مع ثواب الآجل، قال الفراء: وخصلة أخرى تحبونها في الدنيا مع ثواب الآخرة، وقوله تعالى: * (نصر من الله) * هو مفسر للأخرى، لأنه يحسن أن يكون: * (نصر من الله) * مفسرا للتجارة إذ النصر لا يكون تجارة لنا بل هو ريح للتجارة، وقوله تعالى: * (وفتح قريب) * أي عاجل وهو فتح مكة، وقال الحسن: هو فتح فارس والروم، وفي * (تحبونها) * شيء من التوبيخ على محبة العاجل، ثم في الآية مباحث: الأول: قوله تعالى: * (وبشر المؤمنين) * عطف على تؤمنون لأنه في معنى الأمر، كأنه قيل: آمنوا وجاهدوا يثبكم الله وينصركم، وبشر يا رسول الله المؤمنين بذلك.
ويقال أيضا: بم نصب من قرأ: * (نصرا من الله وفتحا قريبا) * (الصف: 11)، فيقال: على الاختصاص، أو على تنصرون نصرا، ويفتح لكم فتحا، أو على يغفر لكم، ويدخلكم ويؤتكم خيرا، ويرى نصرا وفتحا، هكذا ذكر في الكشاف.
قوله تعالى * (يا أيها الذين ءامنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصارى إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فامنت طآئفة من بنى إسراءيل وكفرت طآئفة فأيدنا الذين ءامنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين) *.
ثم قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله) *.
قوله: * (كونوا أنصار الله) * أمر بإدامة النصرة والثبات عليه، أي ودوموا على ما أنتم عليه من النصرة، ويدل عليه قراءة ابن مسعود: * (كونوا أنتم أنصار الله) * فأخير عنهم بذلك، أي أنصار دين الله وقوله: * (كما قال عيسى بن مريم للحواريين) * أي انصروا دين الله مثل نصرة الحواريين لما قال لهم: * (من أنصاري إلى الله) * قال مقاتل، يعني من يمنعني من الله، وقال عطاء: من ينصر دين الله، ومنهم من قال: أمر الله المؤمنين أن ينصروا محمدا صلى الله عليه وسلم كما نصر الحواريون عيسى عليه السلام، وفيه إشارة إلى أن النصر بالجهاد لا يكون مخصوصا بهذه الأمة، والحواريون أصفياؤه، وأول من آمن به، وكانوا اثني عشر رجلا، وحواري الرجل صفيه وخلصاؤه من الحور، وهو البياض الخالص، وقيل: كانوا قصارين يحورون الثياب، أي يبيضونها، وأما الأنصار فعن قتادة: أن الأنصار كلهم من قريش: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وحمزة، وجعفر، وأبو عبيدة بن الجراح، وعثمان بن مظعون، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعثمان بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، ثم في الآية مباحث: