التسبيح المذكور في الآية على التسبيح بالقول، كان المراد بقوله: * (ما في السماوات) * من في السماوات ومنهم حملة العرش: * (فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون) * (فصلت: 38) ومنهم المقربون: * (قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم) * (سبأ: 41) ومن سائر الملائكة: * (قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا) * (الفرقان: 18) وأما المسبحون الذين هم في الأرض فمنهم الأنبياء كما قال ذو النون: * (لا إله إلا أنت سبحانك) * (الأنبياء: 87) وقال موسى: * (سبحانك إني تبت إليك) * (الأعراف: 143) والصحابة يسبحون كما قال: * (سبحانك فقنا عذاب النار) * (آل عمران: 191) وأما إن حملنا هذا التسبيح على التسبيح المعنوي: فأجزاء السماوات وذرات الأرض والجبال والرمال والبحار والشجر والدواب والجنة والنار والعرش والكرسي واللوح والقلم والنور والظلمة والذوات والصفات والأجسام والأعراض كلها مسبحة خاشعة خاضعة لجلال الله منقادة لتصرف الله كما قال عز من قائل: * (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) * (الإسراء: 44) وهذا التسبيح هو المراد بالسجود في قوله: * (ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض) * (النحل: 49) أما قوله: * (وهو العزيز الحكيم) * فالمعنى أنه القادر الذي لا ينازعه شيء، فهو إشارة إلى كمال القدرة، والحكيم إشارة إلى أنه العالم الذي لا يحتجب عن علمه شيء من الجزئيات والكليات أو أنه الذي يفعل أفعاله على وفق الحكمة والصواب، ولما كان العلم بكونه قادرا متقدما على العلم بكونه عالما لا جرم قدم العزيز على الحكيم في الذكر.
واعلم أن قوله: * (وهو العزيز الحكيم) * يدل على أن العزيز ليس إلا هو لأن هذه الصيغة تفيد الحصر، يقال: زيد هو العالم لا غيره، فهذا يقتضي أنه لا إله إلا الواحد، لأن غيره ليس بعزيز ولا حكيم ومالا يكون كذلك لا يكون إلها.
ثم قال تعالى:
* (له ملك السماوات والارض يحى ويميت وهو على كل شىء قدير) *.
واعلم أن الملك الحق هو الذي يستغني في ذاته، وفي جميع صفاته عن كل ما عداه، ويحتاج كل ما عداه إليه في ذواتهم وفي صفاتهم، والموصوف بهذين الأمرين ليس إلا هو سبحانه. أما أنه مستغن في ذاته وفي جميع صفاته عن كل ما عداه فلأنه لو افتقر في ذاته إلى الغير لكان ممكنا لذاته فكان محدثا، فلم يكن واجب الوجود، وأما أنه مستغن في جميع صفاته السلبية والإضافية عن كل ما عداه، فلأن كل ما يفرض صفة له، فإما أن تكون هويته سبحانه كافية في تحقق تلك الصفة سواء كانت الصفة سلبا أو إيجابا أو لا تكون كافية في ذلك، فإن كانت هويته كافية في ذلك من دوام تلك الهوية دوام تلك الصفة سلبا كانت الصفة أو إيجابا، وإن لم تكن تلك لزم الهوية كافية، فحينئذ تكون تلك الهوية ممتنعة الانفكاك عن ثبوت تلك الصفة وعن سلبها، ثم ثبوت تلك الصفة وسلبها، يكون متوقفا على ثبوت أمر آخر وسلبه، والموقوف على الموقوف على الشيء موقوف على ذلك الشيء، فهويته سبحانه تكون موقوفة التحقق على تحقق علة