* (لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شىء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشآء والله ذو الفضل العظيم) *.
اعلم أنه لما قال في الآية الأولى: * (فآتينا الذين آمنوا منهم) * أي من قوم عيسى: * (أجرهم) * (الحديد: 27) قال في هذه الآية: * (يا أيها الذين آمنوا) * والمراد به أولئك فأمرهم أن يتقوا الله ويؤمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام ثم قال: * (يؤتكم كفلين) * أي نصيبين من رحمته لإيمانكم أولا بعيسى، وثانيا بمحمد عليه الصلاة والسلام، ونظيره قوله تعالى: * (أولئك يؤتون أجرهم مرتين) * (القصص: 54) عن ابن عباس أنه نزل في قوم جاءوا من اليمن من أهل الكتاب إلى الرسول وأسلموا فجعل الله لهم أجرين، وههنا سؤالان: السؤال الأول: ما الكفل في اللغة؟ الجواب: قال المؤرج: الكفل النصيب بلغة هذيل وقال غيره بل هذه لغة الحبشة، وقال المفضل بن مسلمة: الكفل كساء يديره الراكب حول السنام حتى يتمكن من القعود على البعير. السؤال الثاني: أنه تعالى لما آتاهم كفلين وأعطى المؤمنين كفلا واحدا كان حالهم أعظم والجواب: روى أن أهل الكتاب افتخروا بهذا السبب على المسلمين، وهو ضعيف لأنه لا يبعد أن يكون النصيب الواحد أزيد قدرا من النصيبين، فإن المال إذا قسم بنصفين كان الكفل الواحد نصفا، وإذا قسم بمائة قسم كان الكفل الواحد جزء من مائة جزء، فالنصيب الواحد من القسمة الأولى أزيد من عشرين نصيبا من القسمة الثانية، فكذا ههنا، ثم قال تعالى: * (ويجعل لكم) * أي يوم القيامة * (نورا تمشون به) * وهو النور المذكور في قوله * (يسعى نورهم) * (الحديد: 12) * (ويغفر لكم) * ما أسلفتم من المعاصي * (والله غفور رحيم) *.
قوله تعالى * (لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شىء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشآء والله ذو الفضل العظيم) *.
فيه مسألتان: المسألة الأولى: قال الواحدي هذه آية مشكلة وليس للمفسرين فيها كلام واضح في كيفية اتصال هذه الآية بما قبلها. واعلم أن أكثر المفسرين على أن (لا) ههنا صلة زائدة، والتقدير: ليعلم أهل الكتاب، وقال أبو مسلم الأصفهاني وجمع آخرون: هذه الكلمة ليست بزائدة، ونحن نفسر الآية على القولين بعون الله تعالى وتوفيقه. أما القول المشهور: وهو أن هذه اللفظة زائدة، فاعلم أنه لا بد ههنا من تقديم مقدمة وهي: أن أهل الكتاب وهم بنو إسرائيل كانوا يقولون: الوحي والرسالة فينا، والكتاب والشرع ليس إلا لنا، والله تعالى خصنا بهذه الفضيلة العظيمة من بين جميع العالمين، إذا عرفت هذا فنقول: إنه تعالى لما أمر أهل الكتاب بالإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام وعدهم