ههنا حصل الضلال في الماضي وتأكد حيث حصل يأس الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر بالإعراض، وأما هناك فقال تعالى من قبل: * (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيله) * (الأنعام: 116).
ثم قال تعالى: * (إن ربك هو أعلم بمن يضل) * بمعنى إن ضللت يعلمك الله فكان الضلال غير حاصل فيه فلم يستعمل صيغة الماضي.
المسألة السادسة: قال في الضلال عن سبيله وهو كاف في الضلال لأن الضلال لا يكون إلا في السبيل، وأما بعد الوصول فلا ضلال أو لأن من ضل عن سبيله لا يصل إلى المقصود سواء سلك سبيلا أو (لم) يسلك وأما من اهتدى إلى سبيل فلا وصول إن لم يسلكه، ويصحح هذا أن من ضل في غير سبيله فهو ضال ومن اهتدى إليها لا يكون مهتديا إلا إذا اهتدى إلى كل مسألة يضر الجهل بها بالإيمان فكان الاهتداء اليقيني هو الاهتداء المطلق فقال * (بمن اهتدى) * وقال * (بالمهتدين) * (القلم: 7) ثم قال تعالى:
* (ولله ما فى السماوات وما فى الارض ليجزى الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى) *.
إشارة إلى كمال غناه وقدرته ليذكر بعد ذلك ويقول: إن ربك هو أعلم من الغني القادر لأن من علم ولم يقدر لا يتحقق منه الجزاء فقال: * (ولله ما في السماوات وما في الأرض) * وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: قال الزمخشري: ما يدل على أنه يعتقد أن اللام في قوله: * (ليجزي) * كاللام في قوله تعالى: * (والخيل والبغال والحمير لتركبوها) * (النحل: 8) وهو جرى في ذلك على مذهبه فقال: * (ولله ما في السماوات وما في الأرض) * معناه خلق ما فيهما لغرض الجزاء وهو لا يتحاشى مما ذكره لما عرف من مذهب الاعتزال، وقال الواحدي: اللام للعاقبة كما في قوله تعالى: * (ليكون لهم عدوا) * (القصص: 8) أي أخذوه وعاقبته أنه يكون لهم عدوا، والتحقيق فيه وهو أن حتى ولام الغرض متقاربان في المعنى، لأن الغرض نهاية الفعل، وحتى للغاية المطلقة فبينهما مقاربة فيستعمل أحدهما مكان الآخر، يقال: سرت حتى أدخلها ولكي أدخلها، فلام العاقبة هي التي تستعمل في موضع حتى للغاية، ويمكن أن يقال: هنا وجه أقرب من الوجهين وإن كان أخفى منهما وهو أن يقال: إن قوله: * (ليجزي) * متعلق بقوله: ضل واهتدى لا بالعلم ولا بخلق ما في السماوات، تقديره كأنه قال: هو أعلم بمن ضل واهتدى: * (ليجزي) * أن من ضل واهتدى يجزي الجزاء والله أعلم به، فيصير قوله: * (ولله ما في