معروفة، كما أنك تقول: الرجل الحسن الجالس كالقمر فيكون متعلق قولك كالقمر الحسن لا الجالس فيكون منشأ للقدرة، إذ السفن كالجبال والجبال لا تجري إلا بقدرة الله تعالى.
المسألة الرابعة: قرىء * (المنشآت) * بكسر الشين، ويحتمل حينئذ أن يكون قوله: * (كالأعلام) *، يقوم مقام الجملة، والجواري معرفة ولا توصف المعارف بالجمل، فلا نقول: الرجل كالأسد جاءني ولا الرجل هو أسد جاءني، وتقول: رجل كالأسد جاءني، ورجل هو أسد جاءني، فلا تحمل قراءة الفتح إلا على أن يكون حالا وهو على وجهين أحدهما: أن تجعل الكاف اسما فيكون كأنه قال: الجواري المنشآت شبه الأعلام ثانيهما: يقدر حالا هذا شبهه كأنه يقول: كالأعلام ويدل عليه قوله: * (في موج كالجبال) * (هود: 42).
المسألة الخامسة: في جمع الجواري وتوحيد البحر وجمع الأعلام فائدة عظيمة، وهي أن ذلك إشارة إلى عظمة البحر، ولو قال: في البحار لكانت كل جارية في بحر، فيكون البحر دون بحر يكون فيه الجواري التي هي كالجبال، وأما إذا كان البحر واحدا وفيه الجواري التي هي كالجبال يكون ذلك بحرا عظيما وساحله بعيدا فيكون الإنجاء بقدرة كاملة.
ثم قال تعالى:
* (كل من عليها فان) *.
وفيه وجهان أحدهما: وهو الصحيح أن الضمير عائد إلى الأرض، وهي معلومة وإن لم تكن مذكورة قال تعالى: * (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا) * (فاطر: 45) الآية وعلى هذا فله ترتيب في غاية الحسن، وذلك لأنه تعالى لما قال: * (وله الجوار المنشآت) * (الرحمن: 24) إشارة إلى أن كل أحد يعرف ويجزم بأنه إذا كان في البحر فروحه وجسمه وماله في قبضة الله تعالى فإذا خرج إلى البر ونظر إلى الثبات الذي للأرض والتمكن الذي له فيها ينسى أمره فذكره وقال: لا فرق بين الحالتين بالنسبة إلى قدرة الله تعالى وكل من على وجه الأرض فإنه كمن على وجه الماء، ولو أمعن العاقل النظر لكان رسوب الأرض الثقيلة في الماء الذي هي عليه أقرب إلى العقل من رسوب الفلك الخفيفة فيه الثاني: أن الضمير عائد إلى الجارية إلا أنه بضرورة ما قبلها كأنه تعالى قال: الجواري ولا شك في أن كل من فيها إلى الفناء أقرب، فكيف يمكنه إنكار كونه في ملك الله تعالى وهو لا يملك لنفسه في تلك الحالة نفعا ولا ضرا، وقوله تعالى: * (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) * (الرحمن: 27) يدل على أن الصحيح الأول وفيه مسائل:
المسألة الأولى: * (من) * للعقلاء وكل ما على وجه الأرض مع الأرض فان، فما فائدة الاختصاص بالعقلاء؟ نقول: المنتفع بالتخويف هو العاقل فخصه تعالى بالذكر.
المسألة الثانية: الفاني هو الذي فنى وكل من عليها سيفنى فهو باق بعد ليس بفان، نقول كقوله: * (إنك ميت) * (الزمر: 30) وكما يقال للقريب إنه واصل، وجواب آخر: وهو أن وجود الإنسان