يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرته إذ قال: يدخل عليكم رجل ينظر بعين شيطان - أو بعيني شيطان - فدخل رجل عيناه زرقاوان فقال له: لم تسبني فجعل يحلف فنزل قوله: * (ويحلفون على الكذب وهم يعلمون) *.
* (أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم سآء ما كانوا يعملون) *.
والمراد منه عند بعض المحققين عذاب القبر. ثم قال تعالى:
* (اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين) *.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قرأ الحسن: * (اتخذوا إيمانهم) * بكسر الهمزة، قال ابن جني: هذا على حذف المضاف، أي اتخذوا ظهار إيمانهم جنة عن ظهور نفاقهم وكيدهم للمسلمين، أو جنة عن أن يقتلهم المسلمون، فلما أمنوا من القتل اشتغلوا بصد الناس عن الدخول في الإسلام بإلقاء الشبهات في القلوب وتقبيح حال الإسلام.
المسألة الثانية: قوله تعالى: * (فلهم عذاب مهين) * أي عذاب الآخر، وإنما حملنا قوله: * (أعد الله لهم عذابا شديدا) * على عذاب القبر، وقوله ههنا: * (فلهم عذاب مهين) * على عذاب الآخر، لئلا يلزم التكرار، ومن الناس من قال: المراد من الكل عذاب الآخرة، وهو كقوله: * (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب) * (النحل: 88).
* (لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) *.
روي أن واحدا منهم قال: لننصرن يوم القيامة بأنفسنا وأولادنا، فنزلت هذه الآية.
* (يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شىء ألا إنهم هم الكاذبون) *.
قال ابن عباس: إن المنافق يحلف لله يوم القيامة كذبا كما يحلف لأوليائه في الدنيا كذبا أما الأول: فكقوله: * (والله ربنا ما كنا مشركين) * (الأنعام: 23).
وأما الثاني: فهو كقوله: * (ويحلفون بالله إنهم لمنكم) * (البقرة: 56) والمعنى أنهم لشدة توغلهم في النفاق ظنوا يوم القيامة أنه يمكنهم ترويج