ومقاتلة وقرئ: * (لمن كان كفر) * بفتح الكاف، وأما: * (كفر) * ففيه وجهان: أحدهما: أن يكون كفر مثل شكر يعدى بالحرف وبغير حرف يقال شكرته وشكرت له، قال تعالى: * (واشكروا لي ولا تكفرون) * (البقرة: 152) وقال تعالى: * (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله) * (البقرة: 256).
ثانيهما: أن يكون من الكفر لا من الكفران أي جزاء لمن ستر أمره وأنكر شأنه ويحتمل أن يقال: كفر به وترك الظهور المراد.
ثم قال تعالى: * (ولقد تركناها ءاية فهل من مدكر) *.
وفي العائد إليه الضمير وجهان أحدهما: عائد إلى مذكور وهو السفينة التي فيها ألواح وعلى هذا ففيه وجهان أحدهما: ترك الله عينها مدة حتى رؤيت وعلمت وكانت على الجودي بالجزيرة وقيل بأرض الهند وثانيهما: ترك مثلها في الناس يذكر وثاني الوجهين الأولين أنه عائد إلى معلوم أي تركنا السفينة آية، والأول أظهر وعلى هذا الوجه يحتمل أن يقال: * (تركناها) * أي جعلناها آية لأنها بعد الفراغ منها صارت متروكة ومجعولة يقول القائل: تركت فلانا مثلة أي جعلته، لما بينا أنه من فرغ من أمر تركه وجعله فذكر أحد الفعلين بدلا عن الآخر.
وقوله تعالى: * (فهل من مدكر) * إشارة إلى أن الأمر من جانب الرسل قد تم ولم يبق إلا جانب المرسل إليهم بأن كانوا منذرين متفكرين يهتدون بفضل الله فهل من مدكر مهتد، وهذا الكلام يصلح حثا ويصلح تخويفا وزجرا، وفيه مسائل:
الأولى: قال ههنا * (ولقد تركناها) * وقال في العنكبوت: * (وجعلناها آية) * (العنكبوت: 15) قلنا هما وإن كانا في المعنى واحدا على ما تقدم بيانه لكن لفظ الترك يدل على الجعل والفراغ بالأيام فكأنها هنا مذكورة بالتفصيل حيث بين الإمطار من السماء وتفجير الأرض وذكر السفينة بقوله: * (ذات ألواح ودسر) * (القمر: 13) وذكر جريها فقال: * (تركناها) * إشارة إلى تمام الفعل المقدور وقال هناك * (وجعلناها) * إشارة إلى بعض ذلك فإن قيل: إن كان الأمر كذلك فكيف قال ههنا * (وحملناه) * (القمر: 13) ولم يقل: وأصحابه وقال هناك * (وأنجيناه وأصحاب السفينة) *؟ نقول: النجاة ههنا مذكورة على وجه أبلغ مما ذكره هناك لأنه قال: * (تجري بأعيننا) * (القمر: 14) أي حفظنا وحفظ السفينة حفظ لأصحابه وحفظ لأموالهم ودوابهم والحيوانات التي معهم فقوله: * (وأنجيناه وأصحاب السفينة) * لا يلزم منه إنجاء الأموال إلا ببيان آخر والحكاية في سورة هود أشد تفصيلا وأتم فلهذا قال: * (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين) * (هود: 40) يعني المحمول ثم قال تعالى: * (واستوت على الجودى) * (هود: 44) تصريحا بخلاص السفينة وإشارة إلى خلاص كل من فيها وقوله: * (آية) * منصوبة على أنها مفعول ثان للترك لأنه بمعنى الجعل على ما تقدم بيانه وهو الظاهر، ويحتمل أن يقال حال فإنك تقول تركتها وهي آية وهي إن لم تكن على وزن الفاعل والمفعول