[بم ثم قال تعالى:
* (إنا كل شىء خلقناه بقدر) *.
وفيه مسائل:
الأولى: المشهور أن قوله: * (إنا كل شيء) * متعلق بما قبله كأنه قال: ذوقوا فإنا كل شيء خلقناه بقدر، أي هو جزاء لمن أنكر ذلك، وهو كقوله تعالى: * (ذق إنك أنت العزيز الكريم) * (الدخان: 49) والظاهر أنه ابتداء كلام وتم الكلام عند قوله: * (ذوقوا مس سقر) * (القمر: 48) ثم ذكر بيان العذاب لأن عطف: * (وما أمرنا إلا واحدة) * (القمر: 50) يدل على أن قوله: * (إنا كل شيء خلقناه بقدر) * ليس آخر الكلام. ويدل عليه قوله تعالى: * (ألا له الخلق والأمر) * (الأعراف: 54) وقد ذكر في الآية الأولى الخلق بقوله: * (إنا كل شيء خلقناه) * فيكون من اللائق أن يذكر الأمر فقال: * (وما أمرنا إلا واحدة) * وأما ما ذكر من الجدل فنقول النبي صلى الله عليه وسلم تمسك عليهم بقوله: * (إن المجرمين في ضلال) * إلى قوله: * (ذوقوا مس سقر) * (القمر: 47، 48) وتلا آية أخرى على قصد التلاوة، ولم يقرأ الآية الأخيرة اكتفاء بعلم من علم الآية كما تقول في الاستدلالات: * (لا تأكلوا أموالكم) * (النساء: 29) الآية: * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) * (الأنعام: 121) الآية: * (وإذا تداينتم) * (البقرة: 283) الآية إلى غير ذلك. المسألة الثانية: * (كل) * قرىء بالنصب وهو الأصح المشهور، وبالرفع فمن قرأ بالنصب فنصبه بفعل مضمر يفسره الظاهر كقوله: * (والقمر قدرناه) * (يس: 39) وقوله: * (والظالمين أعد لهم) * (الإنسان: 31) وذلك الفعل هو خلقناه وقد فسره قوله: * (خلقناه) * كأنه قال: إنا خلقنا كل شيء بقدر، وخلقناه على هذا لا يكون صفة لشيء كما في قوله تعالى: * (ومن كل شيء خلقنا زوجين) * (الذاريات: 49) غير أن هناك يمنع من أن يكون صفة كونه خاليا عن ضمير عائد إلى الموصوف، وههنا لم يوجد ذلك المانع، وعلى هذا فالآية حجة على المعتزلة لأن أفعالنا شيء فتكون داخلة في كل شيء فتكون مخلوقة لله تعالى، ومن قرأ بالرفع لم يمكنه أن يقول كما يقول في قوله: * (وأما ثمود فهديناهم) * (فصلت: 17) حيث قرىء بالرفع لأن كل شيء نكرة فلا يصح مبتدأ فيلزمه أن يقول: كل شيء خلقناه فهو بقدر، كقوله تعالى: * (وكل شيء عنده بمقدار) * (الرعد: 8) في المعنى، وهذان الوجهان ذكرهما ابن عطية في تفسيره وذكر أن المعتزلي يتمسك بقراءة الرفع ويحتمل أن يقال: القراءة الأولى وهو النصب له وجه آخر، وهو أن يقال: نصبه بفعل معلوم لا بمضمر مفسر وهو قدرنا أو خلقنا، كأنه قال: إنا خلقنا كل شيء خلقناه بقدر، أو قدرنا كل شيء خلقناه بقدر، وإنما قلنا: إنه معلوم لأن قوله: * (ذلكم الله ربكم خالق كل شيء) * (غافر: 62) دل عليه، وقوله: * (وكل شيء بمقدار) * دل على أنه قدر وحينئذ لا يكون في الآية دلالة على بطلان قول المعتزلي وإنما يدل على بطلان قوله: * (الله خالق كل شيء) * (الزمر: 62) وأما على القراءة الثانية وهي الرفع، فنقول: جاز أن يكون كل شيء مبتدأ وخلقناه بقدر خبره وحينئذ تكون الحجة قائمة عليهم بأبلغ وجه، وقوله: * (كل شيء) * نكرة فلا يصلح مبتدأ ضعيف لأن قوله: * (كل شيء) * عم الأشياء كلها بأسرها، فليس فيه