إرسال شواظ، وقال: * (يطوفون بينها وبين حميم آن) * (الرحمن: 44) مع أن الحميم غير الجحيم، وكذا قال تعالى: * (هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون) * (الرحمن: 43) وهو كلام تام، وقوله تعالى: * (يطوفون بينها وبين حميم آن) * (الرحمن: 44) كلام آخر ولم يفصل بينهما بالآية المذكورة؟ نقول: فيه تغليب جانب الرحمة، فإن آيات العذاب سردها سردا وذكرها جملة ليقصر ذكرها، والثواب ذكره شيئا فشيئا، لأن ذكره يطيب للسامع فقال بالفصل وتكرار عود الضمير إلى الجنس بقوله: * (فيهما عينان) *، * (فيهما من كل فاكهة) * لأن إعادة ذكر المحبوب محبوب، والتطويل بذكر اللذات مستحسن. المسألة الثانية: قوله تعالى: * (فيهما عينان تجريان) * أي في كل واحدة عين واحدة كما مر، وقوله: * (فيهما من كل فاكهة زوجان) * معناه كل واحدة منهما زوج، أو معناه في كل واحدة منهما من الفواكه زوجان، ويحتمل أن يكون المراد مثل ذلك أي في كل واحدة من الجنتين زوج من كل فاكهة ففيهما جميعا زوجان من كل فاكهة، وهذا إذا جعلنا الكنايتين فيهما للزوجين، أو نقول: من كل فاكهة لبيان حال الزوجين، ومثاله إذا دخلت من على ما لا يمكن أن يكون كائنا في شيء كقولك: في الدار من الشرق رجل، أي فيها رجل من الشرق، ويحتمل أن يكون المراد في كل واحدة منها زوجان، وعلى هذا يكون كالصفة بما يدل عليه من كل فاكهة كأنه قال: فيهما من كل فاكهة، أي كائن فيهما شيء من كل فاكهة، وذلك الكائن زوجان، وهذا بين فيما تكون من داخله على ما لا يمكن أن يكون هناك كائن في الشيء غيره، كقولك: في الدار من كل ساكن، فإذا قلنا: فيهما من كل فاكهة زوجان الثالث: عند ذكر الأفنان لو قال: فيهما من كل فاكهة زوجان كان متناسبا لأن الأغصان عليها الفواكه، فما الفائدة في ذكر العينين بين الأمرين المتصل أحدهما بالآخر؟ نقول: جرى ذكر الجنة على عادة المتنعمين، فإنهم إذا دخلوا البستان لا يبادرون إلى أكل الثمار بل يقدمون التفرج على الأكل، مع أن الإنسان في بستان الدنيا لا يأكل حتى يجوع ويشتهي شهوة مؤلمة فكيف في الجنة فذكر ما يتم به النزهة وهو خضرة الأشجار، وجريان الأنهار، ثم ذكر ما يكون بعد النزهة وهو أكل الثمار، فسبحان من يأتي بالآي بأحسن المعاني في أبين المباني.
ثم قال تعالى:
* (متكئين على فرش بطآئنها من إستبرق وجنى الجنتين دان * فبأى ءالاء ربكما تكذبان) *.
وفيه مسائل نحوية ولغوية ومعنوية.
المسألة الأولى من النحوية: هو أن المشهور أن (متكئين) حال وذو الحال من في قوله: * (ولمن خاف مقام ربه) * (الرحمن: 46) والعامل ما يدل عليه اللام الجارة تقديره لهم في حال الاتكاء جنتان