* (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس * (الذين يبخلون) * كلام مستأنف لا تعلق له بما قبله، وهو في صفة اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ويخلوا ببيان نعته، وهو مبتدأ وخبره محذوف دل عليه قوله: * (ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد) * وحذف الخبر كثير في القرآن كقوله: * (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) *. المسألة الثانية: قال أبو علي الفارسي: قرأ نافع وابن عامر * (فإن الله الغني الحميد) *، وحذفوا لفظ * (هو) * وكذلك * (هو) * في مصاحف أهل المدينة والشأم، وقرأ الباقون * (هو الغني الحميد) * قال أبو علي: ينبغي أن هو في هذه الآية فصلا لا مبتدأ، لأن الفصل حذفه أسهل، ألا ترى أنه لا موضع للفصل من الإعراب، وقد يحذف فلا يخل بالمعنى كقوله: * (إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا) * (الكهف: 39). المسألة الثالثة: قوله: * (فإن الله هو الغني الحميد) * معناه أن الله غني فلا يعود ضرر عليه ببخل ذلك البخيل، وقوله: * (الحميد) * كأنه جواب عن السؤال يذكر ههنا، فإنه يقال: لما كان تعالى عالما بأنه يبخل بذلك المال ولا يصرفه إلى وجوه الطاعات، فلم أعطاه ذلك المال؟ فأجاب بأنه تعالى حميد في ذلك الإعطاء، ومستحق حيث فتح عليه أبواب رحمته ونعمته، فإن قصر العبد في الطاعة فإن وباله عائد إليه.
ثم قال تعالى: * (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات) * وفي تفسير البينات قولان: الأول: وهو قول مقاتل بن سليمان إنها هي المعجزات الظاهرة والدلائل القاهرة والثاني: وهو قول مقاتل بن حيان: أي أرسلناهم بالأعمال التي تدعوهم إلى طاعة الله وإلى الإعراض عن غير الله، والأول هو الوجه الصحيح لأن نبوتهم إنما ثبتت بتلك المعجزات. ثم قال تعالى: * (وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس) *. واعلم أن نظير هذه الآية قوله: * (الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان) * (الشورى: 17) وقال: * (والسماء رفعها ووضع الميزان) * (الرحمن: 7) وههنا مسائل: المسألة الأولى: في وجه المناسبة بين الكتاب والميزان والحديد وجوه. أحدها: وهو الذي أقوله أن مدار التكليف على أمرين: أحدهما: فعل ما ينبغي فعله والثاني: ترك ما ينبغي تركه، والأول هو المقصود بالذات، لأن المقصود بالذات لو كان هو الترك لوجب أن لا يخلق أحد، لأن الترك كان حاصلا في الأزل، وأما فعل ما ينبغي فعله، فإما أن يكون متعلقا بالنفس، وهو المعارف، أو بالبدن وهو أعمال الجوارح، فالكتاب هو الذي يتوسل به إلى فعل ما ينبغي من