ويحتمل أن يكون المراد أن كل واحد منكم يملأ البطون، والبطون حينئذ تكون بطون الأمعاء، لتخيل وصف المعي في باطن الإنسان له، كيأكل في سبعة أمعاء، فيملأون بطون الأمعاء وغيرها، والأول أظهر، والثاني أدخل في التعذيب والوعيد، قوله: * (فشاربون عليه) * أي عقيب الأكل تجر مرارته وحرارته إلى شرب الماء فيشربون على ذلك المأكول وعلى ذلك الزقوم من الماء الحار، وقد تقدم بيان الحميم، وقوله: * (فشاربون شرب الهيم) * بيان أيضا لزيادة العذاب أي لا يكون أمركم أمر من شرب ماءا حارا منتنا فيمسك عنه بل يلزمكم أن تشربوا منه مثل ما تشرب الهيم وهي الجمال التي أصابها العطش فتشرب ولا تروى، وهذا البيان في الشرب لزيادة العذاب، وقوله: * (فمالئون منها) * في الأكل، فإن قيل: الأهيم إذا شرب الماء الكثير يضره ولكن في الحال يلتذ به، فهل لأهل الجحيم من شرب الحميم الحار في النار لذة؟ قلنا: لا، وإنما ذلك لبيان زيادة العذاب، ووجهه أن يقال: يلزمون بشرب الحميم ولا يكتفي منهم بذلك الشرب بل يلزمون أن يشربوا كما يشرب الجمل الأهيم الذي به الهيام، أو هم إذا شربوا تزداد حرارة الزقوم في جوفهم فيظنون أنه من الزقوم لا من الحميم فيشربون منه شيئا كثيرا بناء على وهم الري، والقول في الهيم كالقول في البيض، أصله هوم، وهذا من هام يهيم كأنه من العطش يهيم، والهيام ذلك الداء الذي يجعله كالهائم من العطش.
ثم قال تعالى:
* (هذا نزلهم يوم الدين) *.
يعني ليس هذا كل العذاب بل هذا أول ما يلقونه وهو بعض منه وأقطع لأمعائهم.
ثم قال تعالى:
* (نحن خلقناكم فلولا تصدقون * أفرءيتم ما تمنون * أءنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) *.
دليلا على كذبهم وصدق الرسل في الحشر لأن قوله: * (أأنتم تخلقونه) * إلزام على الإقرار بأن الخالق في الابتداء هو الله تعالى، ولما كان قادرا على الخلق أولا كان قادرا على الخلق ثانيا، ولا مجال للنظر في ذاته وصفاته تعالى وتقدس، وإن لم يعترفوا به، بل يشكون ويقولن: الخلق الأول من مني بحسب الطبيعة، فنقول: المنى من الأمور الممكنة ولا وجود للممكن بذاته بل بالغير على ما عرف، فيكون المنى من القادر القاهر، وكذلك خلق الطبيعة وغيرها من الحادثات أيضا، فقال لهم: هل تشكون في أن الله خلقكم أولا أم لا؟ فإن قالوا: لا نشك في أنه خالقا، فيقال: فهل تصدقون أيضا بخلقكم ثانيا؟ فإن من خلقكم أولا من لا شيء لا يعجز أن يخلقكم ثانيا من أجزاء هي عنده معلومة، وإن كنتم تشكون وتقولون: الخلق لا يكون إلا من منى وبعد الموت لا والده ولا مني، فيقال لهم: هذا المنى أنتم تخلقونه أم الله، فإن كنتم تعترفون بالله وبقدرته وإرادته وعمله، فذلك