ولم يقصده، والظاهر أن المراد أنباء المهلكين بسبب التكذيب وقال بعضهم: المراد القرآن، وتقديره جاء فيه الأنباء، وقيل قوله: * (جاءكم من الأنباء) * يتناول جميع ما ورد في القرآن من الزواجر والمواعظ وما ذكرناه أظهر لقوله: * (فيه مزدجر) * وفي: * (ما) * وجهان أحدهما: أنها موصولة أي جاءكم الذي فيه مزدجر ثانيهما: موصوفة تقديره: جاءكم من الأنباء شيء موصوف بأن فيه مزدجر وهذا أظهر والمزدجر فيه وجهان أحدهما ازدجار وثانيهما موضع ازدجار، كالمرتقى، ولفظ المفعول بمعنى المصدر كثير لأن المصدر هو المفعول الحقيقي.
ثم قال تعالى: * (حكمة بالغة فما تغنى النذر) *.
وفيه وجوه الأول: على قول من قال: * (ولقد جاءهم من الأنباء) * المراد منه القرآن، قال: * (حكمة بالغة) * بدل كأنه قال: ولقد جاءهم حكمة بالغة ثانيها: أن يكون بدلا عن ما في قوله: * (ما فيه مزدجر) * الثاني: حكمة بالغة خبر مبتدأ محذوف تقديره هذه حكمة بالغة والإشارة حينئذ تحتمل وجوها أحدها: هذا الترتيب الذي في إرسال الرسول وإيضاح الدليل والإنذار بمن مضى من القرون وانقضى حكمة بالغة ثانيها: إنزال ما فيه الأنباء: * (حكمة بالغة) * ثالثها: هذه الساعة المقتربة والآية الدالة عليها حكمة الثالث: قرىء بالنصب فيكون حالا وذو الحال ما في قوله: * (ما فيه مزدجر) * أي جاءكم ذلك حكمة، فإن قيل: إن كان * (ما) * موصولة تكون معرفة فيحسن كونه ذا الحال فأما إن كانت بمعنى جاءهم من الأنباء شيء فيه ازدجار يكون منكرا وتنكير ذي الحال قبيح نقول: كونه موصوفا يحسن ذلك. وقوله: * (فما تغن النذر) * فيه وجهان أحدهما: أن * (ما) * نافية، ومعناه أن النذر لم يبعثوا ليغنوا ويلجئوا قومهم إلى الحق، وإنما أرسلوا مبلغين وهو كقوله تعالى: * (فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا) * (الشورى: 48) ويؤيد هذا قوله تعالى: * (فتولى عنهم) * أي ليس عليك ولا على الأنبياء الإغناء والإلجاء، فإذا بلغت فقد أتيت بما عليك من الحكمة البالغة التي أمرت بها بقوله تعالى: * (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) * (النحل: 125) وتول إذا لم تقدر ثانيهما: * (ما) * استفهامية، ومعنى الآيات حينئذ أنك أتيت بما عليك من الدعوى وإظهار الآية عليها وكذبوا فأنذرتهم بما جرى على المكذبين فلم يفدهم فهذه حكمة بالغة وما الذي تغني النذر غير هذا فلم يبق عليك شيء آخر.
* (فتول عنهم يوم يدعو الداع إلى شىء نكر) *.
قوله تعالى: * (فتول عنهم) * قد ذكرنا أن المفسرين يقولون إلى قوله: * (تول) * منسوخ وليس كذلك، بل المراد منه لا تناظرهم بالكلام.
ثم قال تعالى: * (يوم يدع الداع إلى شيء نكر) * قد ذكرنا أيضا أن من ينصح شخصا ولا يؤثر فيه النصح يعرض عنه ويقول مع غيره: ما فيه نصح المعرض عنه، ويكون فيه قصد إرشاده أيضا فقال بعدما قال: * (فتول عنهم يوم يدع الداع) * * (يخرجون من الأجداث) * للتخويف، والعامل