بالهلاك، فإذا قال: هم كانوا في غاية الظلم والطغيان فأهلكوا يقول الظالم هم كانوا أظلم فأهلكوا لمبالغتهم في الظلم، ونحن ما بالغنا فلا نهلك، وأما لو قال أهلكوا لأنهم ظلمة لخاف كل ظالم فما الفائدة في قوله: * (أظلم) *؟ نقول: المقصود بيان شدتهم وقوة أجسامهم فإنهم لم يقدموا على الظلم والطغيان الشديد إلا بتماديهم وطول أعمارهم، ومع ذلك ما نجا أحد منهم فما حال من هو دونهم من العمر والقوة فهو كقوله تعالى: * (أشد منهم بطشا) * (الزخرف: 8).
وقوله تعالى: * (والمؤتفكة أهوى) *.
المؤتفكة المنقلبة، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرىء: * (والمؤتفكات) * والمشهور فيه أنها قرىء قوم لوط لكن كانت لهم مواضع ائتفكت فهي مؤتفكات، ويحتمل أن يقال المراد كل من انقلبت مساكنه ودثرت أماكنه ولهذا ختم المهلكين بالمؤتفكات كمن يقول: مات فلان وفلان وكل من كان من أمثالهم وأشكالهم.
المسألة الثانية: * (أهوى) * أي أهواها بمعنى أسقطها، فقيل: أهواها من الهوى إلى الأرض من حيث حملها جبريل عليه السلام على جناحه، ثم قلبها، وقيل: كانت عمارتهم مرتفعة فأهواها بالزلزلة وجعل عاليها سافلها.
المسألة الثالثة: قوله تعالى: * (والمؤتفكة أهوى) * على ما قلت: كقول القائل والمنقلبة قلبها وقلب المنقلب تحصيل الحاصل، نقول: ليس معناه المنقلبة ما انقلبت بنفسها بل الله قلبها فانقلبت.
المسألة الرابعة: ما الحكمة في اختصاص المؤتفكة باسم الموضع في الذكر، وقال في عاد وثمود، وقوم نوح اسم القوم؟ نقول: الجواب عنه من وجهين أحدهما: أن ثمود اسم الموضع فذكر عادا باسم القوم، وثمود باسم الموضع، وقوم نوح باسم القوم والمؤتفكة باسم الموضع ليعلم أن القوم لا يمكنهم صون أماكنهم عن عذاب الله تعالى ولا الموضع يحصن القوم عنه فإن في العادة تارة يقوي الساكن فيذب عن مسكنه وأخرى يقوي المسكن فيرد عن ساكنه وعذاب الله لا يمنعه مانع، وهذا المعنى حصل للمؤمنين في آيتين أحدهما قوله تعالى: * (وكف أيدي الناس عنكم) * (الفتح: 20) وقوله تعالى: * (وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله) * (الحشر: 2) ففي الأول لم يقدر الساكن على حفظ مسكنه وفي الثاني لم يقو الحصن على حفظ الساكن والوجه الثاني: هو أن عادا وثمود وقوم نوح، كان أمرهم متقدما، وأماكنهم كانت قد دثرت، ولكن أمرهم كان مشهورا متواترا، وقوم لوط كانت مساكنهم وآثار الانقلاب فيها ظاهرة، فذكر الأظهر من الأمرين في كل قوم.
ثم قال تعالى: * (فغشاها ما غشى) *.
يحتمل أن يكون ما مفعولا وهو الظاهر، ويحتمل أن يكون الذي غشي هو الله تعالى فيكون كقوله تعالى: * (والسماء وما بناها) * ويحتمل أن يكون فاعلا يقال: ضربه من ضربه، وعلى هذا نقول: يحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى سبب غضب الله عليهم أي