فالتكذيب مصدر قصد به ما كانوا يحصلون به مقاصدهم، وأما قوله: * (تكذبون) * فعلى الأول المراد تكذيبهم بما قال الله تعالى: * (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) * وغير ذلك، وعلى الثاني المراد جميع ما صدر منهم من التكذيب، وهو أقرب إلى اللفظ.
ثم قال تعالى:
* (فلولا إذا بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: المراد من كلمة: * (لولا) * معنى هلا من كلمات التحضيض وهي أربع كلمات: لولا، ولوما، وهلا، وألا ويمكن أن يقال: أصل الكلمات لم لا، على السؤال كما يقول القائل: إن كنت صادقا فلم لا يظهر صدقك، ثم إنما قلنا: الأصل لم لا لكونه استفهاما أشبه قولنا: هلا، ثم إن الاستفهام تارة يكون عن وجود شيء وأخرى عن سبب وجوده، فيقال: هل جاء زيد ولم جاء، والاستفهام بهل قبل الاستفهام بلم، ثم إن الاستفهام قد يستعمل للإنكار وهو كثير، ومنه قوله تعالى ههنا: * (أفبهذا الحديث أنتم مدهنون) * (الواقعة: 81) وقوله: * (أتدعون بعلا وتذرون) * (الصافات: 125) وقوله تعالى: * (أإفكا آلهة دون الله تريدون) * (الصافات: 86) ونظائرها كثيرة، وقد ذكرنا لك الحكمة فيه، وهي أن النافي والناهي لا يأمر أن يكذب المخاطب فعرض بالنفي لئلا يحتاج إلى بيان النفي، إذا ثبت هذا فالاستفهام " بهل " لإنكار الفعل، والاستفهام " بلم " لإنكار سببه، وبيان ذلك أن من قال: لم فعلت كذا، يشير إلى أنه لا سبب للفعل، ويقول: كان الفعل وقع من غير سبب الوقوع، وهو غير جائز، وإذا قال: هل فعلت، ينكر نفس الفعل لا الفعل من غير سبب، وكأنه في الأول يقول: لو وجد للفعل سبب لكان فعله أليق، وفي الثاني يقول: الفعل غير لائق ولو وجد له سبب.
المسألة الثانية: إن كل واحد منهما يقع في صدر الكلام، ويستدعي كلاما مركبا من كلامين في الأصل، أما في " هل " فلأن أصلها أنك تستعملها في جملتين، فتقول: هل جاء زيد أو ما جاء، لكنك ربما تحذف أحديهما، وأما في (لو) فإنك تقول: لو كان كذا لكان كذا، وربما تحذف الجزاء كما ذكرنا في قوله تعالى: * (لو تعلمون) * (الواقعة: 76) لأنه يشير ب " لو " إلى أن المنفي له دليل، فإذا قال القائل: لو كنتم تعلمون، وقيل له لم لا يعلمون، قال: إنهم لو يعلمون لفعلوا كذا، فدليله مستحضر إن طولب به بينه وإذا ثبت أن النفي ب " لو "، والنفي بهل، أبلغ من النفي بلا، والنفي بقوله: لم، وإن كان بينهما اشتراك معنى ولفظا وحكما وصارت كلمات التحضيض وهي: لوما، ولولا، وهلا وألا، كما تقول: لم لا فإذن قول القائل: هل تفعل وأنت عنه مستغن، كقوله: لم تفعل وهو قبي، وقوله: وهلا تفعل وأنت إليه محتاج، وألا تفعل