البحث الثاني: أن الظهار كان من أشد طلاق الجاهلية، لأنه في التحريم أوكد ما يمكن، وإن كان ذلك الحكم صار مقررا بالشرع كانت الآية ناسخة له، وإلا لم يعد نسخا، لأن النسخ إنما يدخل في الشرائع لا في عادة الجاهلية، لكن الذي روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: " حرمت " أو قال: " ما أراك إلا قد حرمت " كالدلالة على أنه كان شرعا. وأما ما روي أنه توقف في الحكم فلا يدل على ذلك.
البحث الثالث: أن هذه الواقعة تدل على أن من انقطع رجاؤه عن الخلق، ولم يبق له في مهمه أحد سوى الخالق كفاه الله ذلك المهم، ولنرجع إلى التفسير، أما قوله: * (قد سمع الله) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: قوله: * (قد) * معناه التوقع، لأن رسول الله والمجادلة كانا يتوقعان أن يسمع الله مجادلتها وشكواها، وينزل في ذلك ما يفرج عنها.
المسألة الثانية: كان حمزة يدغم الدال في السين من: * (قد سمع) * وكذلك في نظائره، واعلم أن الله تعالى حكى عن هذه المرأة أمرين أولهما: المجادلة وهي قوله: * (تجادلك في زوجها) * أي تجادلك في شأن زوجها، وتلك المجادلة أنه عليه الصلاة والسلام كلما قال لها: " حرمت عليه " قالت: والله ما ذكر طلاقا وثانيهما: شكواها إلى الله، وهو قولها: أشكو إلى الله فاقتي ووجدي، وقولها: إن لي صبية صغارا، ثم قال سبحانه: * (والله يسمع تحاوركما) * والمحاورة المراجعة في الكلام، من حار الشيء يحور حورا، أي رجع يرجع رجوعا، ومنها نعوذ بالله من الحور بعد الكور، ومنه فما أحار بكلمة، أي فما أجاب، ثم قال: * (إن الله سميع بصير) * أي يسمع كلام من يناديه، ويبصر من يتضرع إليه.
* (الذين يظاهرون منكم من نسآئهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائى ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور) *.
قوله تعالى: * (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم) * اعلم أن قوله: * (الذين يظاهرون) * فيه مسألتان:
المسألة الأولى: ما يتعلق بالمباحث اللغوية والفقهية، فنقول في هذه الآية بحثان. أحدهما: أن الظهار ما هو؟. الثاني: أن المظاهر من هو؟ وقوله: * (من نسائهم) * فيه بحث: وهو أن المظاهر منها من هي؟.
أما البحث الأول: وهو أن الظهار ما هو؟ ففيه مقامان: المقام الأول: في البحث عن هذه اللفظة بحسب اللغة وفيه قولان: أحدهما: أنه عبارة عن قول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، فهو مشتق من الظهر.