يحتمل وجوها أحدها: أن يكون إذا رجت بدلا عن إذا وقعت فيكون العامل فيها ما ذكرنا من قبل ثانيها: أن يكون العامل في: * (إذا وقعت) * (الواقعة: 1) هو قوله: * (ليس لوقعتها) * (الواقعة: 2) والعامل في: * (إذا رجت) * هو قوله: * (خافضة رافعة) * (الواقعة: 3) تقديره تخفض الواقعة وترفع وقت رج الأرض وبس الجبال والفاء للترتيب الزماني لأن الأرض ما لم تتحرك والجبال ما لم تنبس لا تكون هباء منبثا، والبس التقليب، والهباء هو الهواء المختلط بأجزاء أرضية تظهر في خيال الشمس إذا وقع شعاعها في كوة، وقال: الذين يقولون: إن بين الحروف والمعاني مناسبة إن الهواء إذا خالطه أجزاء ثقيلة أرضية ثقل من لفظه حرف فأبدلت الواو الخفيفة بالباء التي لا ينطق بها إلا بإطباق الشفتين بقوة ما لو في الباء ثقل ما.
ثم قال تعالى:
* (وكنتم أزواجا ثلاثة * فأصحاب الميمنة مآ أصحاب الميمنة * وأصحاب المشامة مآ أصحاب المشامة) *.
أي في ذلك اليوم أنتم أزواج ثلاثة أصناف وفسرها بعدها بقوله: * (فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الفاء تدل على التفسير، وبيان ما ورد على التقسيم كأنه قال: (أزواجا ثلاثة أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة) إلخ، ثم بين حال كل قوم، فقال: * (ما أصحاب الميمنة) * فترك التقسيم أولا واكتفى بما يدل عليه، فإنه ذكر الأقسام الثلاثة مع أحوالها، وسبق قوله تعالى: * (وكنتم أزواجا ثلاثة) * يغني عن تعديد الأقسام، ثم أعاد كل واحدة لبيان حالها.
المسألة الثانية: * (أصحاب الميمنة) * هم أصحاب الجنة، وتسميتهم بأصحاب الميمنة إما لكونهم من جملة من كتبهم بأيمانهم، وإما لكون أيمانهم تستنير بنور من الله تعالى، كما قال تعالى: * (يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم) * (الحديد: 12) وإما لكون اليمين يراد به الدليل على الخير، والعرب تتفاءل بالسانح، و (هو) الذي يقصد جانب اليمين من الطيور والوحوش عند الزجر والأصل فيه أمر حكمي، وهو أنه تعالى لما خلق الخلق كان له في كل شيء دليل على قدرته واختياره، حتى إن في نفس الإنسان له دلائل لا تعد ولا تحصى، ودلائل الاختيار إثبات مختلفين في محلين متشابهين، أو إثبات متشابهين في محلين مختلفين، إذ حال الإنسان من أشد الأشياء مشابهة فإنه مخلوق من متشابه، ثم إنه تعالى أودع في الجانب الأيمن من الإنسان قوة ليست في الجانب الأيسر لو اجتمع أهل العلم على أن يذكروا له مرجحا غير قدرة الله وإرادته لا يقدرون عليه، فإن كان بعضهم يدعى كياسة وذكاء يقول: إن الكبد في الجانب الأيمن، وبها قوة التغذية، والطحال في الجانب الأيسر، وليس فيه قوة ظاهرة