اللفظ، فكان الدليل يقتضي ذلك، بخلاف الشاعر الذي يختار اللفظ على المذهب الضعيف لأجل الوزن والقافية.
ثم قال تعالى: * (فكيف كان عذابى ونذر * ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر) *.
وتفسيره قد تقدم والتكرير للتقرير، وفي قوله: * (عذابي ونذر) * لطيفة ما ذكرناها، وهي تثبت بسؤال وجواب لو قال القائل: أكثر المفسرين على أن النذر في هذا الموضع جمع نذير الذي هو مصدر معناه إنذار، فما الحكمة في توحيد العذاب حيث لم يقل: فكيف كان أنواع عذابي ووبال إنذاري؟ نقول: فيه إشارة إلى غلبة الرحمة الغضب، وذلك لأن الإنذار إشفاق ورحمة، فقال: الإنذارات التي هي نعم ورحمة تواترت، فلما لم تنفع وقع العذاب دفعة واحدة، فكانت النعم كثيرة، والنقمة واحدة وسنبين هذا زيادة بيان حين نفسر قوله تعالى: * (فبأي آلاء ربكما تكذبان) * (الرحمن: 13) حيث جمع الآلاء وكثر ذكرها وكررها ثلاثين مرة، ثم بين الله تعالى حال قوم آخرين. فقال:
* (كذبت ثمود بالنذر) *.
وقد تقدم تفسيره غير أنه في قصة عاد قال: * (كذبت) * (القمر: 18) ولم يقل: بالنذر، وفي قصة نوح قال: * (كذبت قوم نوح بالنذر) * (الشعراء: 105) فنقول: هذا يؤيد ما ذكرنا من أن المراد بقوله: * (كذبت قبلهم قوم نوح) * (القمر: 9) أن عادتهم ومذهبهم إنكار الرسل وتكذيبهم فكذبوا نوحا بناء على مذهبهم وإنما صرح ههنا لأن كل قوم يأتون بعد قوم وأتاهما رسولان فالمكذب المتأخر يكذب المرسلين جميعا حقيقة والأولون يكذبون رسولا واحدا حقيقة ويلزمهم تكذيب من بعده بناء على ذلك لأنهم لما كذبوا من تقدم في قوله: الله تعالى واحد، والحشر كائن، ومن أرسل بعده كذلك قوله ومذهبه لزم منه أن يكذبوه ويدل على هذا أن الله تعالى قال في قوم نوح: * (فكذبوه فأنجيناه) * (الأعراف: 64) وقال في عاد: * (وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله) * (هود: 59) وأما قوله تعالى: * (كذبت قوم نوح المرسلين) * (الشعراء: 105) فإشارة إلى أنهم كذبوا وقالوا ما يفضي إلى تكذيب جميع المرسلين، ولهذا ذكره بلفظ الجمع المعرف للاستغراق، ثم إنه تعالى قال هناك عن نوح: * (رب إن قومي كذبون) * (الشعراء: 117) ولم يقل: كذبوا رسلك إشارة إلى ما صدر منهم حقيقة لا أن ما ألزمهم لزمه.
إذا عرفت هذا فلما سبق قصة ثمود ذكر رسولين ورسولهم ثالثهم قال: * (كذبت ثمود بالنذر) * هذا كله إذا قلنا إن النذر جمع نذير بمعنى منذر، أما إذا قلنا إنها الإنذارات فنقول: قوم نوح وعاد لم تستمر المعجزات التي ظهرت في زمانهم، وأما ثمود فأنذروا وأخرج لهم ناقة من صخرة وكانت تدور بينهم وكذبوا فكان تكذيبهم بإنذارات وآيات ظاهرة فصرح بها، وقوله: * (فقالوا أبشرا منا