أي تداوله، فالدولة اسم لما يتداول من المال، والدولة اسم لما ينتقل من الحال، ومعنى الآية كي لا يكون الفيء الذي حقه أن يعطى للفقراء ليكون لهم بلغة يعيشون بها واقعا في يد الأغنياء ودولة لهم. المسألة الثانية: قرىء: (دولة) و (دولة) بفتح الدال وضمها، وقرأ أبو جعفر: (دولة) مرفوعة الدال والهاء، قال أبو الفتح: * (يكون) * ههنا هي التامة كقوله: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة) * (البقرة: 280) يعني كي لا يقع دولة جاهلية، ثم قال: * (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) * يعني ما أعطاكم الرسول من الفيء فخذوه فهو لكم حلال وما نهاكم عن أخذه فانتهوا * (واتقوا الله) * في أمر الفيء * (إن الله شديد العقاب) * على ما نهاكم عنه الرسول، والأجود أن تكون هذه الآية عامة في كل ما آتي رسول الله ونهى عنه وأمر الفيء داخل في عمومه.
قوله تعالى * (للفقرآء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون) *.
اعلم أن هذا بدل من قوله: * (ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) * (الحشر: 7) كأنه قيل: أعني بأولئك الأربعة هؤلاء الفقراء والمهاجرين الذين من صفتهم كذا وكذا، ثم إنه تعالى وصفهم بأمور: أولها: أنهم فقراء وثانيها: أنهم مهاجرون وثالثها: أنهم أخرجوا من ديارهم وأموالهم يعني أن كفار مكة أحوجوهم إلى الخروج فهم الذين أخرجوهم ورابعها: أنهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا، والمراد بالفضل ثواب الجنة وبالرضوان قوله: * (ورضوان من الله أكبر) * (التوبة: 72) وخامسها: قوله: * (وينصرون الله ورسوله) * أي بأنفسهم وأموالهم وسادسها: قوله: * (أولئك هم الصادقون) * يعني أنهم لما هجروا لذات الدنيا وتحملوا شدائدها لأجل الدين ظهر صدقهم في دينهم، وتمسك بعض العلماء بهذه الآية على إمامة أبي بكر رضي الله عنه، فقال: هؤلاء الفقراء من المهاجرين والأنصار كانوا يقولون لأبي بكر يا خليفة رسول الله، والله يشهد على كونهم صادقين، فوجب أن يكونوا صادقين في قولهم يا خليفة رسول الله، ومتى كان الأمر كذلك وجب الجزم بصحة إمامته.
ثم إنه تعالى ذكر الأنصار وأثنى عليهم حين طابت أنفسهم عن الفيء إذ للمهاجرين دونهم فقال:
* (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون فى صدورهم