قال الزمخشري على ما هو مذهبه عليه عقلا، فإن من الحكمة الجزاء، وذلك لا يتم إلا بالحشر، فيجب عليه عقلا الإعادة، ونحن لا نقول بهذا القول، ونقول فيه وجهان الأول: عليه بحكم الوعد فإنه تعالى قال: * (إنا نحن نحيي الموتى) * (يس: 12) فعليه بحكم الوعد لا بالعقل ولا بالشرع الثاني: عليه للتعيين فإن من حضر بين جمع وحاولوا أمرا وعجزوا عنه، يقال: وجب عليك إذن أن تفعله أي تعينت له.
المسألة الثانية: قرىء: * (النشأة) * على أنه مصدر كالضربة على وزن فعلة وهي للمرة، تقول: ضربته ضربتين، أي مرة بعد مرة، يعني النشأة مرة أخرى عليه، وقرئ النشأة بالمد على أنه مصدر على وزن فعالة كالكفالة، وكيفما قرىء فهي من نشأ، وهو لازم وكان الواجب أن يقال: عليه الإنشاء لا النشأة، نقول فيه فائدة وهي أن الجزم يحصل من هذا بوجود الخلق مرة أخرى، ولو قال: عليه الإنشاء ربما يقول قائل: الإنشاء من باب الإجلاس، حيث يقال في السعة أجلسته فما جلس، وأقمته فما قام فيقال: انشاء وما نشأ أي قصده لينشأ ولم يوجد، فإذا قال: عليه النشأة أي يوجد النشء ويحققه بحيث يوجد جزما.
المسألة الثالثة: هل بين قول القائل: عليه النشأة مرة أخرى، وبين قوله: عليه النشأة الأخرى فرق؟ نقول: نعم إذا قال: عليه النشأة مرة أخرى لا يكون النشء قد علم أولا، وإذا قال: * (عليه النشأة الأخرى) * يكون قد علم حقيقة النشأة الأخرى، فنقول ذلك المعلوم عليه.
ثم قال تعالى: * (وأنه هو أغنى وأقنى) *.
وقد ذكرنا تفسيره فنقول: * (أغنى) * يعني دفع حاجته ولم يتركه محتاجا لأن الفقير في مقابلة الغني، فمن لم يبق فقيرا بوجه من الوجوه فهو غني مطلقا، ومن لم يبق فقيرا من وجه فهو غني من ذلك الوجه، قال صلى الله عليه وسلم: " أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم " وحمل ذلك على زكاة الفطر، ومعناه إذا أتاه ما احتاج إليه، وقوله تعالى: * (أقنى) * معناه وزاد عليه الإقناء فوق الإغناء، والذي عندي أن الحروف متناسبة في المعنى، فنقول لما كان مخرج القاف فوق مخرج الغين جعل الإقناء لحالة فوق الإغناء، وعلى هذا فالإغناء هو ما آتاه الله من العين واللسان، وهداه إلى الارتضاع في صباه أو هو ما أعطاه الله تعالى من القوت واللباس المحتاج إليهما وفي الجملة كل ما دفع الله به الحاجة فهو إغناء؛ وكل ما زاد عليه فهو إقناء.
ثم قال تعالى: * (وأنه هو رب الشعرى) *.
إشارة إلى فساد قول قوم آخرين، وذلك لأن بعض الناس يذهب إلى أن الفقر والغنى بكسب الإنسان واجتهاده فمن كسب استغنى، ومن كسل افتقر وبعضهم يذهب إلى أن ذلك بالبخت، وذلك بالنجوم، فقال: * (هو أغنى وأقنى) * وإن قائل الغنى بالنجوم غالط، فنقول هو رب النجوم وهو محركها، كما قال تعالى: * (هو رب الشعرى) * وقوله: * (هو