* (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) * (الرعد: 33) أي حافظ ومطلع أخذا من القائم على الشيء حقيقة الحافظ له فلا يغيب عنه، وقيل: مقام مقحم يقال: فلان يخاف جانب فلان أي يخاف فلانا وعلى هذا الوجه يظهر الفرق غاية الظهور بين الخائف والخاشي، لأن الخائف خاف مقام ربه بين يدي الله فالخاشي لو قيل له: افعل ما تريد فإنك لا تحاسب ولا تسأل عما تفعل لما كان يمكنه أن يأتي بغير التعظيم والخائف ربما كان يقدم على ملاذ نفسه لو رفع عنه القلم وكيف لا، ويقال: خاصة الله من خشية الله في شغل شاغل عن الأكل والشرب واقفون بين يدي الله سابحون في مطالعة جماله غائصون في بحار جلاله، وعلى الوجه الثاني قرب الخائف من الخاشي وبينهما فرق الرابعة: في قوله: * (جنتان) * وهذه اللطيفة نبينها بعدما نذكر ما قيل في التثنية، قال بعضهم: المراد جنة واحدة كما قيل في قوله: * (ألقيا في جهنم) * (ق: 24) وتمسك بقول القائل: ومهمهين سرت مرتين * قطعته بالسهم لا السهمين فقال: أراد مهمها واحدا بدليل توحيد الضمير في قطعته وهو باطل، لأن قوله بالسهم يدل على أن المراد مهمهان، وذلك لأنه لو كان مهمها واحدا لما كانوا في قطعته يقصدون جدلا، بل يقصدون التعجب وهو إرادته قطع مهمهين بأهبة واحدة وسهم واحد وهو من العزم القوي، وأما الضمير فهو عائد إلى مفهوم تقديره قطعت كليهما وهو لفظ مقصور معناه التثنية ولفظه للواحد، يقال: كلاهما معلوم ومجهول، قال تعالى: * (كلتا الجنتين آتت أكلها) * (الكهف: 33) فوحد اللفظ ولا حاجة ههنا إلى التعسف، ولا مانع من أن يعطي الله جنتين وجنانا عديدة، وكيف وقد قال بعد: * (ذواتا أفنان) * (الرحمن: 48) وقال: فيهما. والثاني وهو الصحيح أنهما جنتان وفيه وجوه أحدها: أنهما جنة للجن وجنة للإنس لأن المراد هذان النوعان وثانيهما: جنة لفعل الطاعات، وجنة لترك المعاصي لأن التكليف بهذين النوعين وثالثها: جنة هي جزاء وجنة أخرى زيادة على الجزاء، ويحتمل أن يقال: جنتان جنة جسمية والأخرى روحية فالجسمية في نعيم والروحية في روح فكان كما قال تعالى: * (فروح وريحان وجنة نعيم) * (الواقعة: 48) وذلك لأن الخائف من المقربين والمقرب في روح وريحان وجنة نعيم وأما اللطيفة: فنقول: لما قال تعالى في حق المجرم إنه يطوف بين نار وبين حميم آن، وهما نوعان ذكر لغيره وهو الخائف جنتين في مقابلة ما ذكر في حق المحرم، لكنه ذكر هناك أنهم يطوفون فيفارقون عذابا ويقعون في الآخر، ولم يقل: ههنا يطوفون بين الجنتين بل جعلهم الله تعالى ملوكا وهم فيها يطاف عليهم ولا يطاف بهم احتراما لهم وإكراما في حقهم، وقد ذكرنا في قوله تعالى: * (مثل الجنة التي وعد المتقون) * (الرعد: 35) وقوله: * (إن المتقين في جنات) * (الذاريات: 15) أنه تعالى ذكر الجنة والجنات، فهي لاتصال أشجارها ومساكنها وعدم وقوع الفاصل بينهما كمهامه وقفار صارت كجنة واحدة، ولسعتها وتنوع أشجارها وكثرة مساكنها كأنها جنات، ولاشتمالها على ما تلتذ به الروح والجسم كأنها جنتان، فالكل عائد إلى صفة مدح.
(١٢٣)