وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمتعنا بها، ومات ولم ينهنا عنه، ثم قال رجل برأيه ما شاء. وأما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فالشيعة يروون عنه إباحة المتعة، وروى محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: لولا أن عمر نهى الناس عن المتعة ما زنى إلا شقي، وروى محمد بن علي المشهور بمحمد بن الحنفية أن عليا رضي الله عنه مر بابن عباس وهو يفتي بجواز المتعة، فقال أمير المؤمنين: انه صلى الله عليه وسلم نهى عنها وعن لحوم الحمر الأهلية، فهذا ما يتعلق بالروايات. واحتج الجمهور على حرمة المتعة بوجوه: الأول: أن الوطء لا يحل إلا في الزوجة أو المملوكة لقوله تعالى: * (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) * (المعارج: 29 - 30، المؤمنون: 5 - 6) وهذه المرأة لا شك أنها ليست مملوكة، وليست أيضا زوجة، ويدل عليه وجوه: أحدها: لو كانت زوجة لحصل التوارث بينهما لقوله تعالى: * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) * (النساء: 12) وبالاتفاق لا توارث بينهما، وثانيها: ولثبت النسب، لقوله عليه الصلاة والسلام: " الولد للفراش " وبالاتفاق لا يثبت، وثالثها: ولوجبت العدة عليها، لقوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * (البقرة: 234) واعلم أن هذه الحجة كلام حسن مقرر.
الحجة الثانية: ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال في خطبته: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما، ذكر هذا الكلام في مجمع الصحابة وما أنكر عليه أحد، فالحال ههنا لا يخلو إما أن يقال: انهم كانوا عالمين بحرمة المتعة فسكتوا، أو كانوا عالمين بأنها مباحة ولكنهم سكتوا على سبيل المداهنة، أو ما عرفوا إباحتها ولا حرمتها. فسكتوا لكونهم متوقفين في ذلك، والأول هو المطلوب، والثاني يوجب تكفير عمر، وتكفير الصحابة لأن من علم أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بإباحة المتعة، ثم قال: إنها محرمة محظورة من غير نسخ لها فهو كافر بالله، ومن صدقه عليه مع علمه بكونه مخطئا كافرا، كان كافرا أيضا. وهذا يقتضي تكفير الأمة وهو على ضد قوله: * (كنتم خير أمة) * (آل عمران: 110).
والقسم الثالث: وهو أنهم ما كانوا عالمين بكون المتعة مباحة أو محظورة فلهذا سكتوا، فهذا أيضا باطل، لأن المتعة بتقدير كونها مباحة تكون كالنكاح، واحتياج الناس إلى معرفة الحال في كل واحد منهما عام في حق الكل، ومثل هذا يمنع أن يبقى مخفيا، بل يجب أن يشتهر العلم به، فكما أن الكل كانوا عارفين بأن النكاح مباح، وأن إباحته غير منسوخة، وجب أن يكون الحال في المتعة كذلك، ولما بطل هذان القسمان ثبت أن الصحابة إنما سكتوا عن الانكار على عمر رضي الله عنه لأنهم كانوا عالمين بأن المتعة صارت منسوخة في الاسلام.