المسألة الثانية: قال الشافعي: الخلوة الصحيحة لا تقرر المهر. وقال أبو حنيفة تقرره. واحتج الشافعي على قوله بهذه الآية لأن قوله: * (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) * مشعر بأن وجوب إيتائهن مهورهن كان لأجل الاستمتاع بهن، ولو كانت الخلوة الصحيحة مقررة للمهر كان الظاهر أن الخلوة الصحيحة تتقدم الاستمتاع بهن، فكان المهر يتقرر قبل الاستمتاع، وتقرره قبل الاستمتاع يمنع من تعلق ذلك التقرر بالاستمتاع، والآية دالة على أن تقرر المهر يتعلق بالاستمتاع، فثبت أن الخلوة الصحيحة لا تقرر المهر.
المسألة الثالثة: في هذه الآية قولان: أحدهما: وهو قول أكثر علماء الأمة أن قوله: * (أن تبتغوا بأموالكم) * المراد منه ابتغاء النساء بالأموال على طريق النكاح، وقوله: * (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) * فان استمتع بالدخول بها آتاها المهر بالتمام، وإن استمتع بعقد النكاح آتاها نصف المهر. والقول الثاني: أن المراد بهذه الآية حكم المتعة، وهي عبارة عن أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلى أجل معين فيجامعها، واتفقوا على أنها كانت مباحة في ابتداء الاسلام، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة في عمرته تزين نساء مكة، فشكا أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم طول العزوبة فقال: استمتعوا من هذه النساء، واختلفوا في أنها هل نسخت أم لا؟ فذهب السواد الأعظم من الأمة إلى أنها صارت منسوخة، وقال السواد منهم: إنها بقيت مباحة كما كانت وهذا القول مروي عن ابن عباس وعمران بن الحصين، أما ابن عباس فعنه ثلاث روايات: إحداها: القول بالإباحة المطلقة، قال عمارة: سألت ابن عباس عن المتعة: أسفاح هي أم نكاح؟ قال: لا سفاح ولا نكاح، قلت: فما هي؟ قال: هي متعة كما قال تعالى، قلت: هل لها عدة؟ قال نعم عدتها حيضة، قلت: هل يتوارثان؟ قالا لا.
والرواية الثانية عنه: أن الناس لما ذكروا الأشعار في فتيا ابن عباس في المتعة قال ابن عباس: قاتلهم الله إني ما أفتيت باباحتها على الاطلاق، لكني قلت: إنها تحل للمضطر كما تحل الميتة والدم ولحم الخنزير له.
والرواية الثالثة: أنه أقر بأنها صارت منسوخة. روى عطاء الخرساني عن ابن عباس في قوله: * (فما استمتعتم به منهن) * قال صارت هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * (الطلاق: 1) وروي أيضا أنه قال عند موته: اللهم إني أتوب إليك من قولي في المتعة والصرف وأما عمران بن الحصين فإنه قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى ولم ينزل بعدها آية تنسخها