يبق بعد الضرب إلا المحاكمة إلى من ينصف المظلوم من الظالم فقال: * (وإن خفتم شقاق بينهما) * إلى آخر الآية وههنا مسائل:
المسألة الأولى: قال ابن عباس: * (خفتم) * أي علمتم. قال: وهذا بخلاف قوله: * (واللاتي تخافون نشوزهن) * فان ذلك محمول على الظن، والفرق بين الموضعين أن في الابتداء يظهر له أمارات النشوز فعند ذلك يحصل الخوف وأما بعد الوعظ والهجر والضرب لما أصرت على النشوز، فقد حصل العلم بكونها ناشزة: فوجب حمل الخوف ههنا على العلم. طعن الزجاج فيه فقال: * (خفتم) * ههنا بمعنى أيقنتم خطأ، فانا لو علمنا الشقاق على الحقيقة لم نحتج إلى الحكمين.
وأجاب سائر المفسرين بأن وجود الشقاق وإن كان معلوما، الا أنا لا نعلم أن ذلك الشقاق صدر عن هذا أو عن ذاك، فالحاجة إلى الحكمين لمعرفة هذا المعنى. ويمكن أن يقال: وجود الشقاق في الحال معلوم، ومثل هذا لا يحصل منه خوف، إنما الخوف في أنه هل يبقى ذلك الشقاق أم لا؟ فالفائدة في بعث الحكمين ليست إزالة الشقاق الثابت في الحال فان ذلك محال، بل الفائدة إزالة ذلك الشقاق في المستقبل.
المسألة الثانية: للشقاق تأويلان: أحدهما: أن كل واحد منهما يفعل ما يشق على صاحبه. الثاني: أن كل واحد منهما صار في شق بالعداوة والمباينة.
المسألة الثالثة: قوله: * (شقاق بينهما) * معناه: شقاقا بينهما، إلا أنه أضيف المصدر إلى الظرف وإضافة المصادر إلى الظروف جائزة لحصولها فيها، يقال: يعجبني صوم يوم عرفة، وقال تعالى: * (بل مكر الليل والنهار) * (سبأ: 33).
المسألة الرابعة: المخاطب بقوله: * (فابعثوا حكما من أهله) * من هو؟ فيه خلاف: قال بعضهم إنه هو الامام أو من يلي من قبله، وذلك لأن تنفيذ الأحكام الشرعية إليه، وقال آخرون: المراد كل واحد من صالحي الأمة وذلك لأن قوله: * (خفتم) * خطاب للجميع وليس حمله على البعض أولى من حمله على البقية، فوجب حمله على الكل، فعلى هذا يجب أن يكون قوله: * (فان خفتم) * خطابا لجميع المؤمنين. ثم قال * (فابعثوا) * فوجب أن يكون هذا أمرا لآحاد الآمة بهذا المعنى، فثبت أنه سواء وجد الامام أو لم يوجد، فللصالحين أن يبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها للاصلاح. وأيضا فهذا يجري مجرى دفع الضرر، ولكل أحد أن يقوم به.
المسألة الخامسة: إذا وقع الشقاق بينهما، فذاك الشقاق إما أن يكون منهما أو منه أو منها، أو يشكل، فان كان منها فهو النشوز وقد ذكرنا حكمه، وان كان منه، فان كان قد فعل فعلا حلالا