ما يتعارفه الناس يدل عليه قوله تعالى: * (إن الله لا يظلم الناس شيئا) * (يونس: 44).
المسألة الثانية: قالت المعتزلة: دلت هذه الآية على أنه تعالى ليس خالقا لأعمال العباد، لأن من جملة تلك الأعمال ظلم بعضهم بعضا، فلو كان موجد ذلك الظلم هو الله تعالى لكان الظالم هو الله، وأيضا لو خلق الظلم في الظالم، ولا قدرة لذلك الظالم على تحصيل ذلك الظلم عند عدمه، ولا على دفعه بعد وجوده، ثم إنه تعالى يقول لمن هذا شأنه وصفته: لم ظلمت ثم يعاقبه عليه، كان هذا محض الظلم، والآية دالة على كونه تعالى منزها عن الظلم.
والجواب: المعارضة بالعلم والداعي على ما سبق مرارا لا حد لها، وقد ذكرنا أن استدلالات هؤلاء المعتزلة وإن كثرت وعظمت، إلا أنها ترجع إلى حرف واحد، وهو التمسك بالمدح والذم والثواب والعقاب، والسؤال على هذا الحرف معين، وهو المعارضة بالعلم والداعي، فكلما أعادوا ذلك الاستدلال أعدنا عليهم هذا السؤال.
المسألة الثالثة: قالت المعتزلة: الآية تدل على أنه قادر على الظلم لأنه تمدح بتركه، ومن تمدح بترك فعل قبيح لم يصح منه ذلك التمدح، إلا إذا كان هو قادرا عليه، ألا ترى أن الزمن لا يصح منه أن يتمدح بأنه لا يذهب في الليالي إلى السرقة.
والجواب أنه تعالى تمدح بأنه لا تأخذه سنة ولا نوم، ولم يلزم أن يصح ذلك عليه، وتمدح بأنه لا تدركه الأبصار، ولم يدل ذلك عند المعتزلة على أنه يصح أن تدركه الأبصار.
المسألة الرابعة: قالت المعتزلة: الآية دالة على أن العبد يستحق الثواب على طاعته وأنه تعالى لو لم يثبه لكان ظالما، لأنه تعالى بين في هذه الآية أنه لو لم يثبهم على أعمالهم لكان قد ظلمهم، وهذا لا يصح إلا إذا كانوا مستحقين للثواب على أعمالهم.
والجواب: أنه تعالى وعدهم بالثواب على تلك الأفعال، فلو لم يثبهم عليها لكان ذلك في صورة ظلم، فلهذا أطلق عليه اسم الظلم، والذي يدل على أن الظلم محال من الله، أن الظلم مستلزم للجهل والحاجة عندكم، وهما محالان على الله، ومستلزم المحال محال، والمحال غير مقدور. وأيضا الظلم عبارة عن التصرف في ملك الغير، والحق سبحانه لا يتصرف إلا في ملك نفسه، فيمتنع كونه ظالما. وأيضا: الظالم لا يكون إلها والشيء لا يصح إلا إذا كانت لوازمه صحيحة، فلو صح منه الظلم لكان زوال إلهيته صحيحا، ولو كان كذلك لكانت إلهيته جائزة الزوال، وحينئذ يحتاج في حصول صفة الإلهية له إلى مخصص وفاعل، وذلك على الله محال.
المسألة الخامسة: قالت المعتزلة: إن عقاب قطرة من الخمر يزيل ثواب الايمان والطاعة