المسألة الأولى: قال الزجاج: كل أمر تفكروا فيه كثيرا وتأملوا في مصالحه ومفاسده كثيرا قيل هذا أمر مبيت، قال تعالى: * (إذ يبيتون ما لا يرضى من القول) * (النساء: 108) وفي اشتقاقه وجهان: الأول: اشتقاقه من البيتوتة، لأن أصلح الأوقات للفكر أن يجلس الانسان في بيته بالليل، فهناك تكون الخواطر أخلى والشواغل أقل، فلما كان الغالب أن الانسان وقت الليل يكون في البيت، والغالب له أنه إنما يستقصي في الأفكار في الليل، لا جرم سمي الفكر المستقصى مبيتا. الثاني: اشتقاقه من بيت الشعر. قال الأخفش: العرب إذا أرادوا قرض الشعر بالغوا في التفكر فيه فسموا المتفكر فيه المستقصى مبيتا، تشبيها له ببيت الشعر من حيث أنه يسوى ويدبر.
المسألة الثانية: أنه تعالى خص طائفة من جملة المنافقين بالتبييت، وفي هذا التخصيص وجهان: أحدهما: أنه تعالى ذكر من علم أنه يبقى على كفره ونفاقه، فأما من علم أنه يرجع عن ذلك فإنه لم يذكرهم. والثاني: أن هذه الطائفة كانوا قد أسهروا ليلهم في التبييت، وغيرهم سمعوا وسكتوا ولم يبيتوا، فلا جرم لم يذكروا.
المسألة الثالثة: قرأ أبو عمرو وحمزة * (بيت طائفة) * بادغام التاء في الطاء، والباقون بالاظهار أما من أدغم فله فيه وجهان: الأول: قال الفراء: جزموا لكثرة الحركات، فلما سكنت التاء أدغمت في الطاء، والثاني: أن الطاء والدال والتاء من حيز واحد، فالتقارب الذي بينها يجريها مجرى الأمثال في الادغام، ومما يحسن هذا الادغام أن الطاء تزيد على التاء بالاطباق، فحسن إدغام الأنقص صوتا في الأزيد صوتا. أما من لم يدغم فعلته أنهما حرفان من مخرجين في كلمتين متفاصلتين، فوجب إبقاء كل واحد منهما بحاله.
المسألة الرابعة: قال: * (بيت) * بالتذكير ولم يقل: بيتت بالتأنيث، لأن تأنيث الطائفة غير حقيقي، ولأنها في معنى الفريق والفوج. قال صاحب " الكشاف ": * (بيت طائفة) * أي زورت وزينت خلاف ما قلت وما أمرت به، أو خلاف ما قالت وما ضمنت من الطاعة، لأنهم أبطنوا الرد لا القبول والعصيان لا الطاعة.
ثم قال تعالى: * (والله يكتب ما يبيتون) * ذكر الزجاج فيه وجهين: أحدهما: أن معناه ينزل إليك في كتابه. والثاني: يكتب ذلك في صحائف أعمالهم ليجازوا به.
ثم قال تعالى: * (فأعرض عنهم) * والمعنى لا تهتك سترهم ولا تفضحهم ولا تذكرهم بأسمائهم، وإنما أمر الله بستر أمر المنافقين إلى أن يستقيم أمر الاسلام. ثم قال: * (وتوكل على الله) * في شأنهم، فان الله يكفيك شرهم وينتقم منهم * (وكفى بالله وكيلا) * لمن توكل عليه. قال المفسرون: كان الأمر بالاعراض عن