أدعوكم إلا إلى طريق الهدى في تكذيب موسى والإيمان بي، وهذا يدل على أنه انقطع عن جواب المؤمن.
(وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب) قال الزجاج: أي: مثل يوم حزب حزب، والمعنى: أخاف أن تقيموا على كفركم فينزل بكم من العذاب مثل ما نزل بالأمم المكذبة رسلهم.
قوله تعالى: (يوم التناد) قرأ عاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: " التناد " بغير ياء. وأثبت الياء في الوصل والوقف ابن كثير، ويعقوب، وافقهم أبو جعفر في الوصل. وقرأ أبو بكر الصديق، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، وابن جبير، وأبو العالية، والضحاك: " التناد " بتشديد الدال. قال الزجاج: أما إثبات الياء فهو الأصل، وحذفها حسن جميل، لأن الكسرة تدل على الياء وهو رأس آية، وأواخر هذه الآيات على الدال، ومن قرأ بالتشديد، فهو من قولهم: ند فلان، وند البعير: إذا هرب على وجهه، ويدل على هذا قوله: " يوم تولون مدبرين " وقوله تعالى:
(يوم يفر المرء من أخيه)، قال أبو علي: معنى الكلام: إني أخاف عليكم عذاب يوم التناد. قال الضحاك: إذا سمع الناس زفير جهنم وشهيقها ندوا فرارا منها في الأرض، فلا يتوجهون قطرا من أقطار الأرض إلا رأوا ملائكة، فيرجعون من حيث جاؤوا. وقال غيره: يؤمر بهم إلى النار فيفرون ولا عاصم لهم. فأما قراءة التخفيف، فهي من النداء، وفيها للمفسرين بين أربعة أقوال:
أحدها: أنه عند نفخة الفزع ينادي الناس بعضهم بعضا، روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يأمر الله عز وجل إسرافيل بالنفخة الأولى فيقول: أنفخ نفخة الفزع، فيفزع أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله، فتسير الجبال، وترج الأرض، وتذهل المراضع، وتضع الحوامل، ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضا: " يوم التناد ".
والثاني: أنه نداء أهل الجنة والنار بعضهم بعضا كما ذكر في الأعراف وهذا قول قتادة.
والثالث: أنه قولهم: يا حسرتنا يا ويلتنا، قاله ابن جريج.
والرابع: أنه ينادى فيه كل أناس بإمامهم بسعادة السعداء وشقاوة الأشقياء.
قوله تعالى: (يوم تولون مدبرين) فيه قولان:
أحدهما: هربا من النار.