ليحفظوا عنه، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة جالس في صفة ضيقة في المسجد، جاء نفر من أهل بدر فيهم ثابت بن قيس بن شماس، فسلموا وانتظروا أن يوسعوا لهم، فأوسعوا لبعضهم، وبقي بعضهم، فشق ذلك على رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، فقال: قم يا فلان، قم يا فلان، حتى أقام من المجلس على عدة من هو قائم من أهل السابقة، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوه من أقامهم الكراهة، وتكلم المنافقون في ذلك وقالوا: والله ما عدل، فنزلت هذه الآية. وقال قتادة: كانوا يتنافسون في مجلس رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: فإذا أقبل مقبل ضنوا بمجلسهم، فأمرهم الله أن يفسح بعضهم لبعض. قال المفسرون: ومعنى " تفسحوا " توسعوا وذلك أنهم كانوا يجلسون متصافين حول رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجد غيرهم مجلسا عنده، فأمرهم أن يوسعوا لغيرهم ليتساوى الناس في الحظ منه، ويظهر فضيلة المقربين إليه من أهل بدر وغيرهم. وفي المراد " بالمجلس " ها هنا ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه مجلس الحرب، ومقاعد القتال، كان الرجل يأتي القوم في الصف، فيقول لهم: توسعوا، فيأبون عليه لحرصهم على القتال، وهذا قول ابن عباس، والحسن، وأبي العالية، والقرظي.
والثاني: أنه مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله مجاهد. وقال قتادة: كان هذا للنبي صلى الله عليه وسلم ومن حوله خاصة.
والثالث: مجالس الذكر كلها، روي عن قتادة أيضا. وقرأ علي بن أبي طالب عليه السلام، وأبو رزين، وأبو عبد الرحمن، ومجاهد، والحسن، وعكرمة، وقتادة، وابن أبي عبلة، والأعمش: " تفسحوا في المجالس " بألف على الجمع.
قوله [عز وجل]: (يفسح الله لكم) أي: يوسع الله لكم الجنة، والمجالس فيها.
(وإذا قيل انشزوا) [قرأ نافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم " انشزوا] فانشزوا " برفع الشين فيهما. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: بكسر الشين فيهما. ومعنى " انشزوا " قوموا. قال الفراء: وهما لغتان. وفي المراد بهذا القيام خمسة أقوال.
أحدها: أنه القيام إلى الصلاة، وكان رجال يتثاقلون عنها، فقيل لهم: إذا نودي للصلاة