إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك، فقالوا: يا رسول الله متى تهاجر إلى الأرض التي رأيت؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) يعني لا أدري، أخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أم لا؟ ثم قال: " إنما هو شيء رأيته في منامي، وما (أتبع إلا ما يوحى إلي) "، رواه أبو صالح عن ابن عباس وكذلك قال عطية: ما أدري هل يتركني بمكة أو يخرجني منها.
والثاني: ما أدري هل أخرج كما أخرج الأنبياء قبلي، أو أقتل كما قتلوا: ولا أدري ما يفعل بكم، أتعذبون أم تؤخرون؟ أتصدقون أم تكذبون؟ قاله الحسن.
والقول الثاني: أنه أراد ما يكون في الآخرة. روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية، نزل بعدها (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) وقال: (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات...) الآية فأعلم ما يفعل به وبالمؤمنين. وقيل: إن المشركين فرحوا عند نزول هذه الآية وقالوا: ما أمرنا وأمر محمد إلا واحد، ولولا أنه ابتدع ما يقوله لأخبره الذي بعثه بما يفعل به، فنزل قوله: (ليغفر لك الله...) الآية، فقال الصحابة: هنيئا لك يا رسول الله، فماذا يفعل بنا؟ فنزلت: (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات...) الآية، وممن ذهب إلى هذا القول أنس، وعكرمة، وقتادة. وروي عن الحسن ذلك.
قوله تعالى: (قل أرأيتم إن كان من عند الله) يعني القرآن (وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل) وفيه قولان:
أحدهما: أنه عبد الله بن سلام، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وابن زيد.