أحدها: أنهم نزلوا في غزاة بني المصطلق على بئر يقال لها: " المريسيع "، فأرسل عبد الله بن أبي غلامة ليستقي الماء، فأبطأ عليه، فلما أتاه قال له: ما حبسك؟ قال: غلام عمر، ما ترك أحدا يستقي حتى ملأ قرب النبي صلى الله عليه وسلم وقرب أبي بكر، وملأ لمولاه، فقال عبد الله: ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل:
سمن كلبك يأكلك، فبلغ قوله عمر، فاشتمل سيفه يريد التوجه إليه، فنزلت هذه الآية، رواه عطاء عن ابن عباس.
والثاني: أنها لما نزلت: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) قال يهودي بالمدينة يقال له فنحاص: احتاج رب محمد. فلما سمع بذلك عمر، اشتمل على سيفه وخرج في طلبه، فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلب عمر، فلما جاء، قال: " يا عمر، ضع سيفك " وتلا عليه الآية، رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس.
والثالث: أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة كانوا في أذى شديد من المشركين قبل أن يؤمروا بالقتال، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، قاله القرظي، والسدي.
والرابع: أن رجلا من كفار قريش شتم عمر بن الخطاب، فهم عمر أن يبطش به، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.
ومعنى الآية: قل للذين آمنوا: اغفروا، ولكن شبه بالشرط والجزاء، كقوله: (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة *، وقد مضى بيان هذا.
وقوله: (للذين لا يرجون) أي: لا يخافون وقائع الله في الأمم الخالية، لأنهم لا يؤمنون به، فلا يخافون عقابه. وقيل: لا يدرون أنعم الله عليهم، أم لا. وقد سبق بيان معنى " أيام الله " في سورة إبراهيم.
فصل وجمهور المفسرين على أن هذه الآية منسوخة، لأنها تضمنت الأمر بالإعراض عن المشركين.
واختلفوا في ناسخها على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه قوله: (فاقتلوا المشركين)، رواه معمر عن قتادة.
والثاني: أنه قوله في الأنفال: (فإما تثقفنهم في الحرب)، وقوله في براءة: (وقاتلوا المشركين كافة)، رواه سعيد عن قتادة.