قال قتادة: لما قطع موسى عليه السلام البحر، عطف يضرب البحر بعصاه ليلتئم، وخاف أن يتبعه فرعون وجنوده، فقيل له: " واترك البحر رهوا " - أي كما هو - طريقا يابسا.
قوله تعالى: (إنهم جند مغرقون) أخبره الله عز وجل بغرقهم ثم ليطمئن قلبه في ترك البحر على حاله.
(كم تركوا) أي: بعد غرقهم (من جنات) وقد فسرنا الآية في الشعراء. فأما " النعمة " فهو العيش اللين الرغد. وما بعد هذا قد سبق بيانه إلى قوله: (وأورثناها قوما آخرين) يعني بني إسرائيل.
(فما بكت عليهم السماء) أي: على آل فرعون وفي معناه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه على الحقيقة، روى أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما من مسلم إلا وله في السماء بابان، باب يصعد فيه عمله، وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات بكيا عليه " وتلا صلى الله عليه وسلم هذه الآية. وقال علي رضي الله عنه: إن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء، وإن آل فرعون لم يكن لهم في الأرض مصلى ولا في السماء مصعد عمل، فقال الله تعالى: (فما بكت عليهم السماء والأرض)، وإلى نحو هذا ذهب ابن عباس، والضحاك، ومقاتل. وقال ابن عباس: الحمرة التي في السماء: بكاؤها. وقال مجاهد: ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا، فقيل له: أو تبكي؟ قال: وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود؟! وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه وتكبيره فيها دوي كدوي النحل؟!.
والثاني: أن المراد: أهل السماء وأهل الأرض، قاله الحسن، ونظير هذا قوله تعالى: (حتى تضع الحرب أوزارها)، أي: أهل الحرب.
والثالث: أن العرب تقول إذا أرادت تعظيم مهلك عظيم: أظلمت الشمس له، وكسف القمر لفقده، وبكته الريح والبرق والسماء والأرض، يريدون المبالغة في وصف المصيبة، وليس ذلك بكذب منهم، لأنهم جميعا متواطئون عليه، والسامع له يعرف مذهب القائل فيه، ونيتهم في قولهم:
أظلمت الشمس، كادت تظلم، وكسف القمر: كاد يكسف، ومعنى " كاد ": هم أن يفعل ولم يفعل، قال ابن مفرغ يرثي رجلا:
الريح تبكي شجوه * والبرق رسول يلمع في غمامه