على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه دخان يجيء قبل قيام الساعة، فروي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" إن الدخان يجيء فيأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام، وروى عبد الله بن أبي مليكة قال: غدوت على ابن عباس ذات يوم، فقال: ما نمت الليلة حتى أصبحت، قلت: لم؟ قال:
طلع الكوكب ذو الذنب، فخشيت أن يطرق الدخان، وهذا المعنى مروي عن علي، وابن عمر، وأبي هريرة، والحسن.
والثاني: أن قريشا أصابهم جوع، فكانوا يرون بينهم وبين السماء دخانا من الجوع، فروى البخاري ومسلم في " الصحيحين " من حديث مسروق، قال: كنا عند عبد الله، فدخل علينا رجل، فقال: جئتك من المسجد وتركت رجلا يقول في هذه الآية (يوم تأتي السماء بدخان مبين):
يغشاهم يوم القيامة دخان يأخذ بأنفاسهم حتى يصيبهم منه كهيئة الزكام، فقال عبد الله: من علم علما فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، إنما كان هذا لأن قريشا لما استعصت على النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحط وجهد، حتى أكلوا العظام والميتة، وجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فقالوا: (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون)، فقال الله تعالى: (إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون)، فكشف عنهم، ثم عادوا إلى الكفر، فأخذوا يوم بدر، فذلك قوله: (يوم نبطش البطشة الكبرى)، وإلى نحو هذا ذهب مجاهد، وأبو العالية، والضحاك، وابن السائب، ومقاتل.
والثالث: أنه يوم فتح مكة لما حجبت السماء بالغبرة، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: (هذا عذاب) أي: يقولون: هذا عذاب.
(ربنا اكشف عنا العذاب) فيه قولان:
أحدهما: الجوع.
والثاني: الدخان (إنا مؤمنون) بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن.
(أنى لهم الذكرى) أي: من أين لهم التذكر والاتعاظ بعد نزول هذا البلاء، (و) حالهم أنه (قد جاءهم رسول مبين) أي: ظاهر الصدق؟!
(ثم تولوا عنه) أي: أعرضوا ولم يقبلوا قوله (وقالوا معلم مجنون) أي: هو معلم يعلمه بشر